أمام مقر المجلس التسييري لبلدية سرت (وسط) احتشد عشرات الليبيين رافعين لافتات تطالب السلطة الليبية الجديدة، واللجنة العسكرية المشتركة «5+5» بكشف مصير أبنائهم المعتقلين في سجون العاصمة طرابلس، منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011.
ويعد ملف المعتقلين واحداً من أبرز التحديات الشائكة، التي تنتظر حكومة «الوحدة الوطنية»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لفتحها والعمل عليها قصد إيجاد حلول عاجلة لها، إلى جانب ملفات أخرى في غاية الأهمية، من بينها تجويد الخدمات وضبط الأسعار، وإعادة المواطنين النازحين إلى ديارهم، وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار، سواء في غرب أو شرق أو جنوب ليبيا.
واستبقت دول غربية عدة تسلم السلطة الجديدة مهامها من حكومة «الوفاق»، بالتعهد بدعم «الوحدة الوطنية»، لتجاوز أي عقبات، والمسارعة في حل الأزمات المتراكمة منذ سنوات، مما يسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في موعدها مع نهاية العام الحالي.
ورغم وجود ما يشبه «اتفاقا ضمنيا» على عدم وضع العراقيل أمام حكومة الدبيبة، أو انتقادها، فإن ذلك لم يمنع المحامي إسعيّد المرزوقي من مطالبة السلطة الجديدة بـ«ضبط الأسعار المنفلتة، والعمل على إصلاح شبكات الكهرباء قبل دخول فصل الصيف».
وأضاف المرزوقي لـ«الشرق الأوسط» أن «سكان العاصمة عانوا الكثير بسبب الحرب، مما تسبب في نزوح الآلاف منهم، وهذا ما يفرض على الحكومة بذل جهود كبيرة وسريعة لإصلاح منازلهم المهدّمة، وإعادتهم ثانية»، لافتاً إلى أنهم «ينتظرون تخفيضاً في الأسعار، أو على الأقل ضبطها، خصوصاً بعد ارتفاع سعر الخبز».
وانتهى المرزوقي بالحديث عن ضرورة عمل الحكومة على «إنهاء حالة الإفلات من العقاب، ومعالجة ملف النازحين والمهجّرين، بالإضافة إلى إجراء مصالحة وطنية في ظل العدالة الانتقالية». ويعاني سكان العاصمة من صعوبات اقتصادية جمّة بسبب الحرب، التي دامت 13 شهراً، وتوقف ضخ النفط، مما أثر سلبياً على حياتهم، وأدى إلى تدمير شبكات الكهرباء، وشح السيولة في المصارف، بالإضافة إلى الأزمات الناشئة بعد تفشي وباء «كورونا» في البلاد.
وبجانب المطالب التي تنتظر الحكومة، نظمت أسر بعض المعتقلين في سجون طرابلس، منذ إسقاط نظام القذافي، وقفة احتجاجية أمام مقر اللجنة العسكرية المشتركة بسرت، منددين باستمرار اعتقالهم منذ عشرة أعوام حتى الآن. ونقلت وسائل إعلام محلية عن بعضهم أن أبناءهم يوجدون رهن الاعتقال، رغم انتهاء محكوميتهم منذ سنوات، بتهم تتعلق بكونهم بمسؤولين سياسيين وعسكريين في النظام السابق.
وطالب القيادي بـ«الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا»، سعد السنوسي البرعصي، السلطات التنفيذية الجديدة بـ«الإفراج عن جميع قيادات ورموز النظام السابق المعتقلين في سجون العاصمة»، وتساءل: «كيف يتحدثون عن مصالح وطنية وهناك شخصيات ليبية قيد الاعتقال، رغم تبرئتهم قضائياً، مثل الساعدي القذافي؟».
كما أن السلطة الجديدة أمام مطالب جديدة تتعلق بتقديم إقرارات الذمة المالية، تجنباً لتكرار أخطاء الماضي. وقد دعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المجلس الرئاسي، وجميع أعضاء حكومة (الوحدة الوطنية) بتقديم هذه الإقرارات، كما طالبت الهيئة رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي بحكومة «الوفاق»، والوزراء المفوضين والوكلاء المنتهية ولايتهم، بضرورة الالتزام بتقديم إقرارات الذمة المالية الخاصة بهم، وفقاً للتشريعات النافذة.
بدورها، طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، حكومة الدبيبة، باتخاذ سياسات حكومية «تضمن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، والعمل على عدم تكرار الحرب مرة أخرى»، بالإضافة إلى ضرورة الالتزام ببنود خريطة الطريق المتفق عليها، برعاية البعثة الأممية، وفي مقدمتها تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات، ودعم اتفاق وقف إطلاق النار، وإجلاء «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب.
ونوهت اللجنة في بيانها أمس إلى أهمية معالجة ملف الأسرى والمعتقلين، على أساس الهوية الاجتماعية والمواقف السياسية، وإصلاح قطاع الأمن، وتوحيد المؤسسة العسكرية، إضافة إلى تحسين ومعالجة الأوضاع الإنسانية والمعيشية، ومن بينها أزمة السيولة النقدية وأزمة الكهرباء، وغلاء الأسعار، وتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية للمواطنين.