أفادت مصادر يمنية عاملة في القطاع الصحي بأن مرض السل الرئوي أصاب خلال الأعوام القليلة الماضية عشرات الآلاف من اليمنيين القابعين بمناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، بسبب فساد قادة الجماعة ونهبهم لمخصصات برنامج مكافحة المرض.
وأكدت المصادر أن أغلب الحالات المصابة بمرض السل الرئوي تركزت في المناطق والقرى الواقعة تحت السيطرة الحوثية، خصوصا تلك التي تعرضت للاجتياح الحوثي، واضطر الكثير من سكانها إلى النزوح القسري، وغيرها التي لا يزال يعاني سكانها من أوضاع معيشية صعبة وانعدام شبه تام للخدمات الأساسية بما فيها الصحية.
في السياق ذاته، كشف أطباء وعاملون في برنامج مكافحة مرض السل الواقع تحت سيطرة الانقلابيين في صنعاء عن تسجيل البرنامج خلال ثلاثة أعوام ماضية ما يزيد على 40 ألفا و190حالة في صنعاء العاصمة ومحافظات: إب، وذمار، وصعدة، وحجة، وعمران، والمحويت.
وأكد الأطباء والعاملون الصحيون أن العام قبل الماضي 2019 تصدر قائمة الأعوام التي شهدت خلالها إصابات بمرض السل الرئوي، بواقع 15 ألفا و355 إصابة، تلاه العام الماضي بـ12 ألفا و950 إصابة، ثم أخيرا عام 2018 بحدود 11 ألفا و885 إصابة.
وتوقعوا أن تكون الأرقام الفعلية لحالات الإصابة بالسل بمختلف أنواعه أكثر من الحالات المبلغ عنها والتي اعتمدت على بعض تقارير الترصد المحلية.
وتطرق البعض منهم، خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحرب التي أشعل فتيلها الانقلابيون وغياب دور مراكز مكافحة السل نتيجة العبث والنهب الحوثي المتكرر بحقها طيلة الأعوام الماضية ساعد بشكل كبير في انتشار حالات الإصابة.
وأرجع العاملون الصحيون أسباب انتشار المرض بين عشرات الآلاف من اليمنيين بأنه ناتج عن عمليات النهب المنظمة التي طالت عقب الانقلاب واجتياح العاصمة والمدن عشرات المرافق والمؤسسات والمراكز الصحية المتنوعة بينها تلك المتعلقة بمكافحة الأوبئة والأمراض المعدية.
ووسط الانهيار المتسارع للخدمات الصحية وزيادة معاناة المواطنين والسكان من تبعات فساد الجماعة في التعامل مع مخصصات مكافحة الأوبئة، أكد العاملون بالمجال الصحي أن جرائم السرقة الحوثية المتعمدة لمخصصات نحو 4 برامج وصناديق خاصة بمكافحة الأمراض والأوبئة بينها برنامج مكافحة السل الرئوي في صنعاء العاصمة أدى بشكل كبير إلى تراجعه عن تقديم الرعاية الطبية للمرضى، كما أسهم في الحد من برامج التثقيف والتوعية بمخاطر هذا المرض.
وذكرت المصادر أن برنامج مكافحة داء السل كان يعمل على تقديم خدماته العلاجية والمخبرية الشبه مجانية في أكثر من 305 مديريات يمنية (قبل الانقلاب الحوثي والحرب) عبر نحو 5 مراكز رئيسية وعشرات الفروع الصغيرة التي كانت منتشرة على مستوى المحافظات والمدن اليمنية.
وأوضح أطباء في صنعاء أن الحالات المصابة بهذا المرض أو غيره من الأمراض الرئوية الأخرى تندرج جميعها ضمن الحالات ذات المناعة الضعيفة، كما أشاروا إلى أن اجتياح موجة جديدة من «كورونا» مؤخرا مناطق يمنية عدة واستمرار سياسة التكتيم الحوثية وغياب برامج التوعية يتطلب من الأشخاص المصابين بالسل وأمراض الجهاز التنفسي أكثر من غيرهم التقيد والالتزام بالتدابير الوقائية مثل ارتداء الكمامات، وعدم الوجود في أماكن الازدحام والتجمعات.
وعن العلاقة التي تربط «السل الرئوي» مع «كورونا»، يشير الإخصائيون إلى أن عدوى السل الرئوي شبيهة إلى درجة ما، بفيروس «كورونا»، كون السل مرضا معديا وينتج عنه نوع من البكتيريا تهاجم الرئتين بشكل أساسي وتؤثر على بعض الأعضاء في الجسم بما فيها الدماغ والعمود الفقري وغيرهما.
وفي سياق متصل، تؤكد منظمة الصحة العالمية بأن مرض السل يحتل في الوقت الراهن المرتبة الثانية ضمن أهمّ العوامل التي تسهم في وفاة البالغين جرّاء الأمراض المعدية. وبحسب المنظمة يودي مرض السل بحياة 1.7 مليون نسمة كل عام في جميع أنحاء العالم.
وبخصوص السل المقاوم للأدوية، فقد قدرت الصحة العالمية نسبة انتشار ذلك النوع من المرض في اليمن بـ2.3 في المائة بين مرضى السل الذين لم يتلقوا أي أدوية و18 في المائة بين مرضى السل الذين سبق علاجهم.
وكانت تقارير محلية تحدثت بوقت سابق أن برنامج المكافحة بدأ في معالجة مرض السل المقاوم للأدوية في ديسمبر (كانون الأول) 2013 في 4 مراكز رئيسية في كل من صنعاء وتعز والحديدة وعدن من خلال استخدام علاجات مضادة للسل من أدوية الخط الثاني.
ويقول الأطباء إن السل المقاوم للأدوية المتعدّدة يمثل شكلا معيّنا من أشكال السل المقاوم للأدوية، وأنه يحدث عندما تصبح العصيّات المسببة للمرض غير قادرة على مقاومة أكثر الأدوية فاعلية ضد السل.
يشار إلى أن فساد الميليشيات الحوثية خلال السنوات الست الماضية قاد إلى انهيار المنظومة الصحية في مناطق سيطرة الجماعة، لجهة قيام عناصرها المعينين في مفاصل القطاع الطبي بنهب المساعدات الإنسانية الصحية والسطو على عائدات الخدمات، فضلا عن تخصيص أغلب الموارد لمصلحة المجهود الحربي.
كما شملت انتهاكات الجماعة محاصرة شركات الأدوية والصيدليات العاملة لإفساح المجال لتأسيس شركات وصيدليات تعود ملكيتها لقادة الجماعة والمقربين منهم.