لم يردّ وزراء الخارجية في عدد من الدول الأوروبية على رسالة خطّية غير علنية، بعث بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، تضمنت المطالبة بـ«فتح حوار» مع دمشق و«الحيلولة دون اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي».
لكن الرد غير المباشر جاء من مسؤول الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، الذي قال في مدونته، إنه إذا «اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً»؛ بهدف الوصول إلى «سوريا الجديدة»، مضيفاً: «لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً حتى نشهد بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا». وساهم هذا «الرد القاطع» من بوريل، والوحدة في الموقف الأوروبي في تريث المقداد في الاستمرار بمطالبة الأوروبيين بفتح الحوار، والسعي إلى فتح شقوق في جدار الموقف الأوروبي.
«الإرهاب عدو مشترك»
في منتصف الشهر الماضي، بعث المقداد برسالة خطّية إلى عدد من وزراء الخارجية في عدد من الدول الأوروبية بينها النمسا ورومانيا وإيطاليا واليونان، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها. وتضمنت رسالة المقداد، الذي تسلم منصبه خلفاً لوليد المعلم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضاً عاماً للأوضاع في السنوات الماضية، حيث «سادت الفوضى وعدم الاستقرار في عدد من البلدان، ومن أبرز الأسباب التي أسفرت عن ذلك كان ظهور ثم انتشار ظاهرة الإرهاب التي خيّمت بأجواء قاتمة على سوريا مع عدد من البلدان الأوروبية، فضلاً عن عدد من بلدان أخرى حول العالم. تلك الظاهرة التي أسهمت في فقدان كثير من أرواح الأبرياء». كما أشار إلى مخاطر «التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، سواء كان ذلك بالتدخلات العسكرية المباشرة أو عن طريق ما يُعرف إعلامياً بالقوة الناعمة، بُغية فرض أجندات سياسية معينة مع تحقيق مصالح ضيقة وربما آنيّة، تبعد كل البعد عن مصالح وتطلعات الشعوب، وبأسلوب يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية، ولأحكام القانون الدولي، وكذلك لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
ثم انتقل المقداد للحديث عن الوضع السوري، قائلاً: إن «سوريا، كانت بين أكثر البلدان تضرراً في المنطقة جراء تلك التفاعلات والتدخلات سالفة الذكر، لا سيما من واقع الأعمال الإرهابية العنيفة ذات الدعم المباشر من جهات خارجية. ولا يمكن لسطور هذه الرسالة الموجزة أن تفسر على نحو كامل مدى الآلام والمعاناة والمآسي التي لحقت بالشعب السوري، ولا الدمار الرهيب الذي ألمّ ببلادنا جراء ذلك»، قبل أن يخاطب كل وزير أوروبي بضرورة العمل على الإفادة من «دروس السنوات القاسية» للعمل على «عدم السماح مستقبلاً باستمرار السياسات الخاطئة التي يتبناها بعض الحكومات المعروفة».
عليه، دعا المقداد إلى «ضرورة تعزيز لغة الحوار والتفاهم فيما بيننا، على أسس الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، ومحاربة الإرهاب، بما قد يسهم في تحقيق التطلعات المشتركة، ثم الوصول إلى مستوى الأمن والاستقرار المنشود لدينا جميعاً» ذلك بعيداً عن سياسات «الحكومات الرامية إلى مواصلة التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية مع فرض الإجراءات القسرية أحادية الجانب على الشعب السوري»، لافتاً إلى أن «التصريحات الملفّقة الصادرة في الآونة الأخيرة عن بعض المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي لن تخدم المصالح المشتركة لبلداننا في شيء (…) وستسهم في إطالة أمد الأزمة في سوريا».
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على نحو 350 فرداً وكياناً سورياً. ومن المتوقع أن يمدد في مايو (أيار) المقبل العقوبات الدورية على دمشق، حيث لا يزال ملتزماً خلاصة المجلس الوزاري التي تربط المساهمة في إعمار سوريا بـ«تقدم جوهري في العملية السياسية لتطبيق القرار 2254».
ودعا المقداد الدول «الوسطية» مثل اليونان وقبرص ورومانيا والتشيك وهنغاريا وإيطاليا، إلى «الحيلولة دون اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي» التي عدّها عائقاً أمام «الحوار المنشود (…) والعودة الطوعية والآمنة للاجئين، في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي». وزاد أن الحكومة السورية «قد بذلت، وتواصل بذل قصارى جهدها من أجل الوصول إلى حل للأزمة السورية، ذلك الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الحقيقية ضمن الاحترام الكامل لسيادته الوطنية».
وكان المبعوث الأممي غير بيدرسن قد رفض مقترحاً أوروبياً لتحميل دمشق مسؤولية عدم التقدم في عمل اللجنة الدستورية، في البيان الختامي لمؤتمر المانحين في بروكسل في 30 الشهر الماضي.
وجاءت رسالة وزير الخارجية السوري قبل مؤتمر بروكسل. وقال دبلوماسي أوروبي لـ«الشرق الأوسط» إن المقداد «أراد أن يدق إسفيناً بين الدول الأوروبية لاختبار مدى وحدة الموقف»، لافتاً إلى أنه «على الأغلب لم يكن يتوقع رداً من وزراء الخارجية على رسالته».
«ثلاث لاءات» أوروبية
من جهته، كتب بوريل مقالاً بمثابة الرد على المقداد قال فيه: «ندرك جميعاً حجم الدمار الذي تعاني منه سوريا ومدى المعاناة التي كابدها الشعب السوري، ولا يزال في كل يوم منذ عشر سنوات. لقد صارت سوريا مرادفاً ملازماً للموت، والخراب، والدمار، فضلاً عن أكبر حركة هجرة بشرية يشهدها القرن الحادي والعشرون حتى الآن»، لافتاً إلى بعض الأرقام بينها «400 ألف قتيل، واختفاء نحو 100 ألف شخص آخرين. ونعلم جيداً أن الاقتصاد السوري في حالة من السقوط المدوي السريع. ويعيش أكثر من 90% من المواطنين السوريين تحت خط الفقر المدقع راهناً. كما يواجه أكثر من 13 مليون مواطن سوري –أي ما يقارب نسبة 60% من إجمالي سكان البلاد ونصفهم من الأطفال– انعداماً شديداً في الأمن الغذائي مع احتياجاتهم الملحّة للحصول على المساعدات الإنسانية العاجلة. وهذا، مع فرار أكثر من 12 مليون مواطن سوري من بلادهم، مع الآلاف الآخرين منهم الذين يعيشون في مخيمات العراء في شمال البلاد».
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي منح 560 مليون يورو، وهو المبلغ نفسه الذي تعهد به الاتحاد الأوروبي في مؤتمر العام الماضي، يضاف إلى 25 مليار يورو قيمة المنح المالية التي أقرها الاتحاد الأوروبي منذ بداية الأزمة السورية، و«استطعنا من خلال ذلك المؤتمر، الذي ضم أكثر من 85 مندوباً وممثلاً عن أكثر من 55 دولة وأكثر من 25 منظمة دولية، أن نؤمّن ما يوازي 5.3 مليار يورو من إجمالي التعهدات بالمنح المالية الجديدة بصفة مشتركة».
وقال المفوض بوريل: «مصالحنا كأوروبيين بسيطة للغاية، وهي تتسق مع ما يريده المواطنون السوريون أيضاً: نريد لسوريا أن تعاود الوقوف على أقدامها كدولة جوار آمنة ومستقرة (…) اتفقت الأطراف الدولية والأطراف الأخرى المعنية بالأزمة السورية على ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد مع إجراء الانتخابات الحرة والنزيهة تحت رعاية وإشراف منظمة الأمم المتحدة بموجب 2254». وزاد: «سوريا تحتاج إلى تغيير المسار الراهن (…) ويقع على عاتق النظام السوري الحاكم مسؤولية كبرى في اتخاذ الخطوات المهمة والمنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وإذا ما اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً لذلك. وحتى بلوغ هذه اللحظة، سوف نواصل ممارسة الضغوط على الصُّعد كافة. لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً حتى نشهد بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا». وقال دبلوماسي إن هذه الشروط هي «لاءات أوروبية ثلاث».
وردّت الخارجية السورية على بيان مؤتمر بروكسل بوصفها ما صدر عنه بأنه «غير شرعي». وقالت الخارجية في رسالة وجهتها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، إن «الجمهورية العربية السورية تعرب عن استهجانها لانعقاد هذا المؤتمر وللمرة الخامسة دون دعوة الحكومة السورية»، علماً بأن روسيا شاركت في المؤتمر ووجّهت الانتقاد نفسه بسبب عدم تمثيل دمشق.