حذر مسؤولون بقطاع النفط في ليبيا من دخول البلاد أزمة كبيرة، إذا لم تتدارك السلطة التنفيذية الأمر، وتضغط على المصرف المركزي لضخ الاعتمادات المالية المطلوبة للمؤسسة الوطنية للنفط، التي تعد أكبر مصدر للدخل في البلاد وقوت الليبيين.
وأعلنت شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز، أمس، أنها مضطرة لتخفيض الإنتاج، وتوقفـه نهائياً في غضون 72 ساعـة، بسبب الوضع المالي «الحرج جداً»، الذي تمر به الشركة، «مما جعلها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها التعاقدية أمام المقاولين، وأدى لتراكم الديـون، ونقـص قطع الغيـار والزيـوت والمـواد الكيميائية اللازمـة لعمليات التشغيـل». وفي غضون ذلك، عبّرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، أمس، عن قلقها من توقف إنتاج النفط في مرفأ الحريقة، وطالبت جميع الأطراف بضمان أن تعمل المؤسسة الوطنية للنفط بشكل مستقل ومهني.
وقال أحد مسؤولي الشركة لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إنه «لم يعد أمامهم سبيل إلا وقف الإنتاج فور انتهاء المدة الممنوحة، إذا لم تتدخل السلطات المعنية في البلاد، وتمنح شركة سرت الاعتمادات المالية المطلوبة».
وأضاف المسؤول، الذي يعمل في الشركة منذ 20 عاماً: «نحن أول المتضررين حال توقف الإنتاج، لكن الأوضاع المالية أصبحت فوق احتمالنا، ما يستوجب تدخل السلطة التنفيذية الجديدة». وأعلن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، أمس، أن إنتاج النفط تراجع إلى مليون برميل فقط، بعدما وصل إلى مليون و300 ألف برميل يومياً خلال الفترة الماضية، وأنه مرشح للتراجع أكثر، بسبب تراكم الديون لعدم اعتماد الميزانية اللازمة من المصرف المركزي.
وأضاف صنع الله، عقب اجتماعه مع محمد عون، وزير النفط بحكومة «الوحدة الوطنية»، أن القطاع يملك إمكانات بشرية هائلة، تمكنه من النهوض بمستوى الإنتاج اليومي إلى أكثر من مليوني برميل يومياً. لكن «عدم اعتماد الميزانيات اللازمة للقطاع حال دون تحقيق ذلك».
وتحدث صنع الله عن «تفاقم الأزمة التي أرغمت بعض الشركات على وقف الإنتاج، بالإضافة إلى تدني الخدمات الصحية والتموينية، وضعف مرتبات العاملين بالقطاع، وتأخرها لشهور بالنسبة للشركات الخدمية».
وقبل يومين، أعلن صنع الله فرض «القوة القاهرة» بميناء الحريقة النفطي وتوقف عمليات إنتاج وتصدير شحنات النفط الخام، وأرجع ذلك إلى «رفض مصرف ليبيا المركزي تسييل ميزانية قطاع النفط لشهور طويلة».
من جانبه، وجـّه، أمس، مسعـود سليمـان، رئيس مجلس إدارة سرت، رسالة عاجلة إلى صنع الله، ليخبره فيها «بعدم قدرة الشركة على الاستمرار في عمليات تشغيـل الوحدات الإنتاجية»، داعياً المؤسسـة الوطنيـة للنفـط إلى مخاطبـة الجهات المسؤولـة لتوفير الميزانيـات اللازمـة لاستمرار تشغيـل تلك الوحـدات.
وتقول شركـة سرت للنفط إنها لم تتسلم ميزانيتها منذ أكثر من سبعة أشهر، ما ترتــب عليه عجــز شديد في توفيــر قطع الغيار والمواد اللازمــة لاستمــرار الإنتــاج.
بدوره، نبه إدريس إبراهيم، مدير إدارة الإنتاج بالشركة، إلى أن كمية الزيوت الخاصة بالعمليات التشغيلية للتوربينات الغازية وضواغط الرفع الصناعي بالحقول قاربت على النفاد «مما ينذر بتوقف مفاجئ إن لم يتم تدارك الأمر بتوفيرها عاجلاً».
ويواجه قطاع النفط الليبي تحديات وعقبات كثيرة، منذ إسقاط النظام السابق، أدت إلى سيطرة مؤقتة لتنظيم «داعش» على بعض المناطق، وإضرام النار في بعض خزاناته براس لانوف عام 2016، ومنذ ذلك الحين لم يسلم من التعديات والإغلاق.
وإلى جانب معاناة العاملين بميناء الحريقة و«سرت للنفط»، اشتكت شركة الخليج العربي من الأزمة ذاتها، وقال فضل الله عيسى، رئيس لجنة إدارتها، إن الميزانية اللازمة لمتطلبات التشغيل لم تعد متوفرة، ما أدى لإيقاف إنتاج النفط.
وأطلع عيسى القائد العام لـ«الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، على مجريات الأوضاع في الشركة، والأسباب التي أجبرتها على اتخاذ هذا الإجراء. وأكد، في بيان، أمس، أن عدم توفر الميزانية المطلوبة «تسبب في تراكم الديون، وعدم القدرة على توفير قطع الغيار والإيفاء بالتزامات العمل».
وقال حفتر إن النفط الليبي «يعد ثروة الأجيال، ويجب استثمار إيراداته في القطاع بما يضمن الحفاظ على البنية التحتية»، مشدداً على أن «القيادة العامة تقف إلى جنب الشركات الوطنية»، وأن مسألة إيقاف الإنتاج لأسباب فنية تقررها الشركة، «ولا يستطيع أحد فرض إرادته عليها، وهذه رسالة واضحة لكل من يحاول اعتبار النفط أداة للسيطرة على إرادة الشعوب».