في تطور مفاجئ يعكس صعوبات تحقيق مصالحة وطنية في ليبيا، اضطرت حكومة الوحدة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، إلى الإعلان عن إلغاء اجتماع كان مقرراً أن تعقده أمس للمرة الأولى منذ تنصيبها في مدينة بنغازي (شرق)، وقالت إنه «تقرر عقد الاجتماع في موعد لاحق».
وأعلنت الحكومة في بيان مقتضب للناطق الرسمي باسمها، محمد حمودة، في ساعة مبكرة من أمس، تأجيل اجتماع مجلس وزرائها، دون تقديم مزيد من التفاصيل أو الأسباب، التي دعت إلى تأجيل هذا الاجتماع. لكن مصادر في الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، الذى يسيطر على مدينة بنغازي ومطارها الدولي، قالت إن «الدبيبة أرسل وفد مقدمة من الحراس والمرافقين، يضم عناصر من الميليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة طرابلس»، موضحة أنهم «طلبوا تسلم صالة كبار الزوار في مطار بنينا، ورفضوا تنسيق الزيارة مع السلطات الأمنية بالمطار، أو التنسيق مع قيادة الجيش».
ومنعت سلطات مطار مدينة بنغازي مسؤولين أمنيين، تابعين للحكومة، بعد أن وصلو إليها جواً من طرابلس، من تولّي الترتيبات الأمنية للزيارة، وأعيد الوفد الأمني إلى طرابلس فور وصوله إلى مطار بنينا، لكون الترتيبات الأمنية من اختصاص السلطات في بنغازي.
وتجمع متظاهرون خارج المطار احتجاجاً على الزيارة، وداسوا علم تركيا بالأقدام. فيما طالب بعضهم الدبيبة بعدم الحضور.
وكان الدبيبة قد أثار حفيظة سكان مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، بعدما تجاهل زيارتها فور تعيينه، رغم وجوده في طبرق بالمنطقة الشرقية، كما أدلى بتصريحات عن عودة بعض النازحين، بمن فيهم من قاتلوا مع الميليشيات المسلحة ضد الجيش الوطني، إلى ما وصفه بـ«حضن الوطن»، وهو ما اعتبره ناشطون بمثابة تلميح إلى أن المدينة تعاني من عدم الاستقرار الأمني. كما أسهم امتناع الدبيبة حتى الآن عن الاجتماع بالمشير حفتر في إثارة غضب ضده.
وقال مسؤول عسكري مقرب من حفتر لـ«الشرق الأوسط» إن «المشير أيضاً لديه تحفظ على مواقف الدبيبة، الداعمة للاتفاقيات التي أبرمتها تركيا مع فائز السراج رئيس حكومة الوفاق السابقة، والتي اعتبرها حفتر بمثابة (شرعنة للاحتلال التركي)».
ونقلت وسائل إعلام محلية موالية لحكومة الدبيبة، عن مصدر حكومي، أن منع ما وصفتها بـ«ميليشيات حفتر» للحكومة من دخول بنغازي، أدى إلى إلغاء الزيارة، مشيرة إلى أن «الوفد الذي ضم الحراسات والمراسم وصل إلى مطار بنينا مساء أول من أمس؛ لكن هذه الميليشيات منعته من دخول بنغازي بعد تطويقها المطار، ليعود الوفد أدراجه إلى مطار معيتيقة بالعاصمة». وبقي وزراء «حكومة الوحدة» في مطار معيتيقة في انتظار أخذ إذن بالهبوط بمطار بنينا، وهو ما لم يحصل، فتم إلغاء الرحلة بالكامل.
واتهم الناطق باسم المجلس الأعلى للدولة من وصفها بـ«الميليشيات الانقلابية» بـ«عرقلة عمل حكومة الوحدة بغية تعطيل المسار السياسي»، مطالباً المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة بـ«تحمل مسؤولياتهم تجاه من يعرقلون هذا المسار».
ويسلط تأجيل الزيارة، التي كانت تستهدف إظهار تقدم حكومة الدبيبة لإنهاء سنوات من الانقسام بين الفصائل المتناحرة، الضوء على استمرار الانقسام بين المعسكرين المتناحرين، علماً بأن الدبيبة سبق أن أعلن عزمه زيارة بنغازي، وعقد أول اجتماع لمجلس حكومته فيها، وتفقد المؤسسات الحكومية، والوقوف على حاجة المدينة لبرامج إعادة الإعمار.
إلى ذلك، بدأ أمس الاجتماع الرابع للجنة العسكرية المشتركة (5 + 5)، التي تضم ممثلي الجيش الوطني وقوات الوفاق في مدينة سرت الساحلية، بحضور وفد بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، الذى وصل بالفعل إلى مقر الاجتماع مساء أول من أمس.
وتناقش اللجنة على مدى يومين ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماعات السابقة، بشأن آلية تطبيق وقف إطلاق النار الدائم، الذي تم توقيعه في جنيف في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالإضافة إلى استعراض تقارير عمل اللجان الفرعية الأمنية والشرطية، ونزع الألغام، والمخلفات الحربية، تمهيداً لفتح الطريق الساحلية بين سرت ومصراتة، وإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية.
في غضون ذلك، تسلم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي من أعضاء لجنة تسلم وفرز ملفات المرشحين للمناصب القيادية بالوظائف السيادية، محضر أعمال اللجنة عقب انتهائها من أعمالها. ونقل المجلس في بيان له عن أحد أعضاء اللجنة أنه ستتم إحالة أسماء المرشحين لتولي هذه المناصب إلى المجلس الأعلى للدولة في العاصمة طرابلس.
من جهة أخرى، أعلن أمس مصطفى صنع الله، رئيس مؤسسة النفط الليبية، عقب اجتماع طارئ لمجلس الإدارة ورؤساء شركات الخليج وسرت ورأس لانوف بمدينة بنغازي، «اتخاذ كل التدابير اللازمة لرفع حالة القوة القاهرة وبشكل فوري عن ميناء الحريقة واستئناف الإنتاج».