النقاش الذي جرى بين وزراء خارجية «مجموعة السبع» في لندن، اليومين الماضيين، كشف بعض أوجه التغير في موقف أميركا وحلفائها إزاء الملف السوري، بحيث تبقى السياسة ذاتها، مع تغيير في شدة بذل الجهود لتنفيذها وتراجعها في سلم أولويات إدارة جو بايدن.
اقترح بعض الأطراف إضافة عبارة إلى البيان الختامي لاجتماع لندن، تتضمن إشارة إلى أن الوقت غير مناسب لـ«أي شكل من أشكال التطبيع» مع دمشق. واستند مساعدو بعض الوزراء المشاركين في اقتراحهم إلى بيانين سابقين صدرا في مناسبة الذكرى العاشرة للاحتجاجات السورية: الأول، من وزراء خارجية أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، والثاني من مفوض الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل. وتضمن البيانان القول إن «الانتخابات الرئاسية السورية المقترحة هذا العام لن تكون حرة ولا نزيهة، وينبغي ألا تؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري».
لكن الاقتراح قوبل بـ«مياه باردة» من فرنسا، وخرج البيان الختامي، بعد أول اجتماع مباشر من سنتين، بتركيز على نقاط معروفة في بيانات سابقة، تخص القرار «2254». الملف الكيماوي، المساعدات الإنسانية. أُضيفت إليها عبارة عمومية عن الانتخابات الرئاسية السورية المقررة في 26 من الشهر الحالي. وجاء في البيان أنه تماشياً مع القرار الدولي 2254 «نَحثُّ جميع الأطراف، لا سيما النظام، على المشاركة بشكل هادف في العملية السياسية الشاملة (…)، ما يشمل وقف إطلاق النار، وبيئة آمنة ومحايدة للسماح بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وضمان مشاركة جميع السوريين، بما في ذلك أعضاء الشتات». وأضاف البيان: «فقط عندما تكون هناك عملية سياسية ذات مصداقية جارية بحزم، سننظر في المساعدة في إعادة إعمار سوريا»، من دون إشارة إلى التطبيع.
في المقابل، جرى التركيز من «مجموعة السبع» على البعدين الإنساني و«الكيماوي»، حيث أدان الوزراء «محاولات النظام وداعميه عرقلة وصول المساعدات الإنسانية المنتظمة والمستمرة إلى سوريا وداخلها». وتابع البيان: «ندين تسييس وصول المساعدات وإيصالها… ونؤيد بشدة إعادة تفويض المساعدة الإنسانية عبر الحدود حتى يتمكن المحتاجون من الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها»، كما «نحث النظام على التقيد بالتزاماته بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2118 (لعام 2013)، ونرحب بقرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بتعليق حقوق سوريا وامتيازاتها… إننا ملتزمون التزاماً راسخاً بمحاسبة المسؤولين عن استخدام الكيماوي، ونتعهد بدعم عمل آليات العدالة الجنائية والتحقيق الدولي المناسب والعدالة الانتقالية».
وينسجم هذا مع أولويات وضعتها إدارة بايدن؛ إذ إنه منذ وصوله إلى الحكم، طلب فريقه إجراء مراجعة للسياسة الخاصة بسوريا، من المفترض أن تنتهي هذا الشهر. واللافت أن مسؤولي الملف السوري في واشنطن يتجنبون المشاركة في اجتماعات علنية، خصوصاً السفير جيمس جيفري وجويل روبرن، فيما يشبه قطيعة مع النهج السابق في فريق إدارة دونالد ترمب، القائم على «الضغط الأقصى» على دمشق و«الصبر الاستراتيجي»، عبر استخدام أدوات منها العقوبات، ومنع الإعمار، وفرض العزلة على دمشق.
ومن الإشارات اللافتة إلى موقع الملف السوري في اهتمامات إدارة بايدن: أولاً، عدم تعيين مبعوث خاص لسوريا، وأن جيفري فيلتمان الذي كان مرشحاً لهذا الموقع، عين مبعوثاً للقرن الأفريقي. ثانياً، أن فريق بايدن تجنب القيام بدور قيادي وحملة مضادة ضد الحملة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أسابيع، للتشجيع على إعادة سوريا إلى «الحضن العربي»، لكن اكتفى بإيصال بعض الرسائل عبر الأقنية الدبلوماسية. ثالثاً، عدم صدور أي قائمة عقوبات جديدة بموجب «قانون قيصر» منذ وصول الإدارة الجديدة. رابعاً، عدم ذكر بايدن سوريا في أي من خطاباته الرسمية.
في المقابل، بدا واضحاً أن الأولويات في تنفيذ السياسة، تقع في مكان آخر، وتشمل ثلاثة محاور:
الأول، البعد الإنساني، عبر التركيز على التجديد لقرار مجلس الأمن بتقديم مساعدات إنسانية «عبر الحدود» في 10 يوليو (تموز) المقبل. ويعمل وزير الخارجية أنتوتي بلينكن على تمديد القرار لمدة سنة لثلاثة معابر (بدلاً من معبر واحد حالياً)، ويقول فريقه إن «اختبار روسيا سيكون في مدى موافقتها على تمديد القرار». ولمح دبلوماسيون إلى أن عدم فرض عقوبات جديدة، والإشارات الأميركية الأخرى، بما في ذلك إعفاء مواجهة «كورونا» والأدوية والغذاء من العقوبات، ترمي إلى تشجيع موسكو على تمديد قرار المساعدات عبر الحدود.
الثاني، الملف الكيماوي، عبر ممارسة ضغوط كبيرة على دمشق وموسكو لالتزام الاتفاق الروسي – الأميركي الموقّع بين الوزيرين لافروف وجون كيري في نهاية 2013. وإجابة دمشق على 19 سؤالاً كانت «منظمة الحظر» وجهتها إلى الحكومة السورية، فيما يخص البرنامج الكيماوي.
الثالث، محاربة «داعش»، عبر التأكد على أن خفض الوجود الأميركي في العراق والمنطقة لن يؤثر على استراتيجية منع ظهور التنظيم، حيث زاد اعتماد أميركا وحلفائها على القطع البحرية والطائرات لتوجيه الضربات لخلايا «داعش»، واستمرار الضغط لـ«منع ولادة جديدة» لها غرب العراق وشرق سوريا. يضاف إلى ذلك تقديم الدعم للحلفاء المحليين شرق الفرات في «قوات سوريا الديمقراطية»، ومنع موسكو وطهران ودمشق من «التمدد في هذه المناطق».
في هذه المحطات الثلاث يقع التركيز الأميركي الملموس، وعلى هذا الأساس يتصرف حلفاء واشنطن في أوروبا والعواصم العربية، إلى حين حدوث تطور كبير يتعلق بالتفاهم الأميركي – الروسي على إحياء مقاربة «خطوة – خطوة»، الذي يزيد صعوبته التوتر بين واشنطن وموسكو، وبين الأوروبيين والروس، أو تجديد «الاتفاق النووي»، مع بنود وانعكاسات تخص وجود إيران العسكري في سوريا.