في الوقت الذي يهدد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، بيني غانتس، بمزيد من الغارات المدمرة على قطاع غزة، وقرار «الكابنيت» في حكومتهما إعلان حالة الطوارئ لمدة أسبوعين ورفض وقف الهجمات، عبّرت قيادات سياسية دولية عن قلق شديد من التصعيد الحالي والقادم. وكثّفت مصر مساعيها لوقف إطلاق النار، معلنة عن إرسال وفدين أمنيين إلى كل من تل أبيب وغزة، ومعربة عن الأمل بأن يؤدي دخول الوفدين إلى وقف النار، لما يكنه الطرفان من احترام للقيادة المصرية.
ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن تقارير عربية، أن وفداً أمنياً مصرياً سيدخل إلى غزة، الأربعاء، لإجراء مفاوضات على وقف إطلاق النار. ووفقاً للصحيفة، سيحضر إلى إسرائيل بشكل متزامن وفد مصري آخر، من أجل الضغط على الطرفين لوقف التصعيد في الحال. وقالت مصادر فلسطينية ومصرية لصحيفة «هآرتس»، إن محادثات وقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل بقيت مستمرة حتى ظهر الثلاثاء، لكنها توقفت بعد اغتيال إسرائيل لـ3 قادة من «سرايا القدس».
ومع الإعلان عن قرار إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تعيين مبعوث خاص لمحاولة التدخل ووقف التصعيد، هو هادي عمار، نائب مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، أعلن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، خلال اتصال مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن التصعيد الحربي بين إسرائيل وغزة والأحداث في القدس، كلها تثير قلق دول الاتحاد. وأكد أن «الاتحاد الأوروبي يجري اتصالات مع جميع الأطراف الدولية والرباعية الدولية، من أجل وقف هذا التصعيد، والحرص على ضرورة تجنيب المدنيين، وضبط النفس، والالتزام بالقانون الدولي، والحفاظ على الوضع القائم في الحرم الشريف، وعدم طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح».
واعتبرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، أمس (الأربعاء)، أن تصعيد العنف في الأراضي الفلسطينية قد يشكل جرائم، بموجب نظام روما الأساسي. وقالت بنسودا في منشور لها عبر «تويتر»: «أتابع بقلق بالغ تصاعد العنف في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وكذلك في غزة ومحيطها، وربما ارتكاب جرائم تندرج تحت نظام روما الأساسي».
ميدانياً، تصاعدت حرب الصواريخ الإسرائيلية الفلسطينية، بشكل كثيف، أمس (الأربعاء). فمن جهة، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه المدمر واغتيالاته الدامية ضد قطاع غزة، علماً بأن غالبية الضحايا هم من المدنيين، 14 طفلاً و5 نساء ومسن واحد من مجموع 56 ضحية حتى مساء أمس (الأربعاء). وأعلن الناطق بلسانه أنه بالتعاون مع الشاباك (المخابرات الإسرائيلية)، تمت خلال هذه العملية تصفية 16 قائداً كبيراً في «حركة حماس»، بينهم 4 جنرالات من أعضاء هيئة رئاسة أركان ذراع «حماس» العسكرية، بينهم قائد لواء غزة، باسم عيسى، ورئيس هيئة المحاربة الإلكترونية (السايبر)، جمعة الطحلة، والمسؤول عن قسم تطوير المشروعات الصاروخية، جمال زبدة. وقال إن هذا الاغتيال يعني الاقتراب من قائد الذراع العسكرية، محمد ضيف.
في المقابل، واصلت «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، من بلدات محيط غزة، حتى تل أبيب والمدن الواقعة إلى الشمال منها. وقد لفت النظر أن الفصائل الفلسطينية أطلقت نحو 1000 صاروخ باتجاه إسرائيل في يومين، بينما في الحرب السابقة سنة 2014، بلغ عدد الصواريخ التي أطلقتها «حماس» 800 خلال 51 يوماً. وأصابت بعض الصواريخ هذه المرة أهدافاً دقيقة، مثل سيارة عسكرية ومخزن وقود ومطار بن غوريون، وهددت «حماس» بقصف آبار الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط، فقررت إسرائيل إغلاقه. ومقابل الرعب في صفوف الفلسطينيين في قطاع غزة، يسود رعب في صفوف الإسرائيليين أيضاً.
ويستغل اليمين المتطرف في إسرائيل هذا التصعيد لتقوية مكانة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يتهمه معارضوه بأنه «المستفيد الأول من هذه الحرب». وعندما قرر المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن والسياسة في الحكومة الإسرائيلية، فرض حالة طوارئ لمدة أسبوعين، اعتبروه قراراً بإطالة وقت الحرب لخدمة مصالحه. ويؤكد المنتقدون أن الحرب ستعرقل الجهود لتشكيل حكومة بديلة برئاسة نفتالي بنيت ويائير لبيد، وبذلك تتجه إسرائيل إلى انتخابات خامسة، ويبقى نتنياهو رئيس حكومة. ويحتاج نتنياهو إلى هذه الحرب بضرباتها القوية في غزة، لكي يرد على معارضيه الذين يتهمونه بتقوية «حماس» لكي يضعف السلطة الفلسطينية.
ويرى مراقبون أن هذه المصلحة تلتقي اليوم مع مصلحة قيادة الجيش الإسرائيلي، الذي يتعرض لانتقادات واسعة بسبب عجزه عن اكتشاف قدرات «حماس» التي فاجأت الإسرائيليين بالصواريخ المتطورة في حوزتها. وتقول إن الجيش يختنق وهو يشاهد مئات المواطنين اليهود سكان الجنوب وهم يغادرون بيوتهم في البلدات المحيطة بقطاع غزة هرباً من الصواريخ، وهو يشاهد أيضاً مواطني تل أبيب يتراكضون إلى الملاجئ، فيوجه ضربات مدمرة إلى قطاع غزة بلا رحمة، حتى يبدد الانتقادات. وهو يحاول أن يسجل «صورة نصر» تنقذ هيبته أمام جمهوره وأمام جيوش ودول العالم. ففي إسرائيل يؤكدون أن «حماس» من جهتها تستطيع الآن وقف الحرب والادعاء بأنها خرجت منتصرة، لأنها تمكنت من قصف القدس وتل أبيب، ولذلك فإن الجيش الإسرائيلي يصرّ على الاستمرار في الحرب، ولن يتوقف قبل أن يحقق هذه الصورة.