أصدرت الجهات الصحية المشرفة على اللقاحات حكما واضحا، أن فوائد لقاحات «كوفيد 19» التي تصنعها شركتا «أسترازينيكا» و«جونسن أند جونسن» تفوق المخاطر النادرة التي قد تتسبب في حدوث اضطراب التخثر الدموي الذي قد يكون مميتا أحيانا.
لكن تظل تدور أسئلة كثيرة حول: من هو الأكثر عرضة للخطر وكيف يتم احتساب المخاطر والفوائد عند حدوث الحالات وماذا تعني الآثار الجانبية لمستقبل تلك اللقاحات، أي التي تستخدم فيروسات غدية لنقل الجين الخاص ببروتين «سارس كوف 2» إلى الخلايا البشرية؟
– لقاح «أسترازينيكا»
غانا، هي إحدى أوائل الدول في العالم التي تتلقى لقاح أسترازينيكا من خلال برنامج كوفاكس COVAX. ويقول جون أموسي عالم الأوبئة في جامعة كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا بأن المطلوب وجود سياسات واضحة من الدول الغربية بشأن الفئات العمرية لاستخدام هذه اللقاحات لأن من الصعب جدًا الآن التوصية بشيء مختلف هنا. وفي حالة عدم توفر لقاحات أخرى فإن «الحد من استخدام هذا اللقاح قد يتسبب في النهاية في حدوث المزيد من حالات كوفيد 19 والمزيد من الوفيات» كما يقول.
ما هو حجم الخطر؟ يمكن أن تؤدي علامات لقاح أسترازينيكا إلى تفاعل غير عادي يسبب حدوث جلطات في جميع أنحاء الجسم مصحوبة بمستويات منخفضة من الصفائح الدموية، التي ظهرت حالاتها لأول مرة منذ شهرين في دول أوروبية مختلفة. وفي العديد من الحالات الأولى لما يسميه العلماء الآن تجلط الدم مع متلازمة قلة الصفائح (TTS) thrombocytopenia syndrome. وقد سجلت النسبة الأعلى في النساء دون سن الستين. ولربما قد يكون السبب في ذلك هو أن العديد من الدول الأوروبية استخدمت اللقاح للعاملين في مجال الرعاية الصحية من أطباء وممرضين وفنيين وأيضا لمن يعملون في سلك التعليم ومعظم هؤلاء هم من النساء تحت سن 65. وبالفعل بدأ يظهر عدم التوازن بين الجنسين مع ظهور المزيد من الحالات ومن بين 207 أشخاص الذين تضرروا في المملكة المتحدة كان هناك 87 رجلاً و120 امرأة وحدثت 139 حالة في الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 60 عامًا. وبشكل عام تسببت حالة واحدة من بين 120 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا في حدوث الآثار الجانبية في البلاد.
وفي سريلانكا قال وزير الصحة للبرلمان الشهر الماضي إن واحدا من بين 150 ألف متلق للقاح قد أصيب باضطراب التخثر. وأبلغت ألمانيا عن تجلط وريدي دماغي (CVT) cerebral venous thrombosis وهو نوع غير عادي من السكتات الدماغية التي تتميز بها متلازمة قلة الصفائح في واحد من كل 76 ألف متلق للقاح، في حين كان المعدل أعلى في النرويج والدنمارك حيث ظهرت إصابة واحد تقريبًا من كل 40 ألف متلق للقاح أسترازينيكا بتجلط وريدي دماغي مع احتمالية زيادة تكرار أحداث التخثر الأخرى. وأوصت معظم الدول الأوروبية باستخدام اللقاح في الأشخاص الأكبر سنًا لكن النرويج والدنمارك أوصتا بعدم استخدام اللقاح على الإطلاق في الوقت الحالي ثم أعلنت الدنمارك مؤخراً أنها لن تستخدم لقاح جونسن أند جونسن أيضًا حتى اتضاح الصورة تماما.
– أعراض مشابهة
تشبه أعراض متلازمة قلة الصفائح إلى حد كبير حالة تسمى نقص الصفائح الناجم عن الهيبارين heparin – induced thrombocytopenia(HIT) وهو رد فعل مناعي ذاتي نادر ينجم عن مادة الهيبارين المسيلة للدم إذ لا يمكن للأطباء التنبؤ بمن هو معرض لخطر نقص الصفائح الناجم عن الهيبارين، كما يبدو أنه يؤثر على الرجال والنساء كبارًا وصغارًا على حد سواء. وقالت بيفرلي هانت اختصاصية أمراض الدم في كينغ كوليدج واستشارية في أقسام أمراض الدم وأمراض الروماتيزم وعلم الأمراض ومديرة وحدة أبحاث التخثر في مستشفى سانت توماس في لندن في ندوة عبر الإنترنت في 29 أبريل (نيسان) برعاية هيئة الصحة الدنماركية بأنه ليس هناك ما يشير إلى أن وجود تاريخ من جلطات الدم أو عوامل خطر التخثر الأخرى (كما هو الحال عند تناول حبوب منع الحمل)، يزيد من خطر الإصابة بمتلازمة قلة الصفائح. وحتى الأشخاص الذين تعرضوا لنقص الصفائح الناجم عن الهيبارين سابقًا لا يبدو أنهم معرضون لخطر أكبر وليس من الواضح ما إذا كانت المخاطر تختلف بين الجرعتين الأولى والثانية من لقاح أسترازينيكا في جميع البلدان إذ توفي واحد من كل خمسة مرضى مصابين باضطراب التخثر. وتأمل السلطات الصحية أن يساعد الإعلان عن العلامات المبكرة لـمتلازمة قلة الصفائح وكيفية علاجها في منع الوفيات لكن من الصعب علاج التجلط الحاد خارج المستشفى.
– لقاحات أخرى
هل اللقاحات الأخرى لها نفس المشكلة؟ تشير البيانات المبكرة من الولايات المتحدة إلى أن لقاح جونسن أند جونسن يعمل حتى الآن بشكل جيد رغم أن الهيئات التنظيمية الأميركية أبلغت عن 15 حالة من متلازمة قلة الصفائح في حوالي 7 ملايين لقاح وهو معدل أقل من الذي شوهد في أوروبا مع لقاح أسترازينيكا كما يقول كلاوس سيشوتيك رئيس الوكالة التنظيمية الألمانية في معهد بول إيرليش. لكن طرح شركة جونسن أند جونسن بدأ لتوه في أوروبا كما يحذر: «مع بدء التطعيمات هنا أي في أوروبا سنرى ما إذا كانت هذه الأرقام صحيحة».
> لقاح صيني. لقاح كونفيديسيا Convidecia من إنتاج شركة كانسينو CanSino Biologics الصينية وهو لقاح غدي أيضا. وقالت الشركة الصينية إنها تراقب اضطرابات تخثر مماثلة ولم تتلق أي تقارير حتى الآن. وقد تم إعطاء أقل من مليون حقنة في ذلك الوقت وبدأ استخدام اللقاح لتوه في ماليزيا وباكستان والمكسيك ودول أخرى هذا الشهر.
> اللقاح الروسي الغدي سبوتنيك V، ويشدد صانعوه على أنه لم تكن هناك حالات لاضطرابات تجلط الدم بين المتلقين لكن من غير الواضح عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح في حين يشير مقال نشر في مجلة The Lancet في 12 مايو (أيار) الجاري أيضًا إلى أن الإبلاغ عن بيانات المرحلة المؤقتة الثالثة التجريبية لـ«سبوتنيك V» غير كاف ومليء بالتناقضات حيث ذكر مؤلفو البحث أن 45 من أصل 16427 مشاركًا تلقوا اللقاح أبلغوا عن أحداث سلبية خطيرة بما في ذلك تجلط الأوردة العميقة والسكتة الدماغية وارتفاع ضغط الدم. ووفقًا للورقة البحثية أكدت لجنة مراقبة البيانات المستقلة أنه لم يتم اعتبار أي من هؤلاء متعلقًا باللقاح ويضيف إيان جونسون أستاذ علم الفيروسات في جامعة ريدنغ في المملكة المتحدة في المقال الذي نشر في 2 فبراير (شباط) 2021 في المجلة الطبية The Lancet أن اللقاح آمن للاستخدام معترفا بفاعلية وسلامة هذا اللقاح إذ يعتقد مطورو اللقاح أنفسهم أن تكنولوجيا استخدام ناقلات الفيروس الغدي كلقاحات آمنة وفعالة حيث تم استخدام هذه المنصة التكنولوجية لابتكار ثلاثة لقاحات ضد الإيبولا وتم تلقيح أكثر من 60 ألف شخص في أفريقيا والصين وروسيا دون تسجيل أي آثار جانبية.
– لقاحات غدية أخرى
> لقاحات سابقة. قبل كوفيد 19 كانت اللقاحات الوحيدة القائمة على الفيروسات الغدية المستخدمة هي لقاحات الإيبولا التي طورتها شركتا جونسن أند جونسن وكانسينو ولم تكن هناك تقارير عن التسبب في الآثار الجانبية النادرة لكن من غير الواضح عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح الصيني حيث أعطي لقاح جونسن أند جونسن لحوالي 200 ألف شخص وفقًا للشركة.
ويضيف ستانلي بلوتكين وهو طبيب يعمل كمستشار لمصنعي اللقاحات وأستاذ فخري في جامعة بنسلفانيا (UPenn) في الولايات المتحدة إلى أنه تم وصف انخفاض عدد الصفائح الدموية بعد عدوى الفيروس الغدي والتي تسبب عادة نزلات البرد ولكن يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى التهابات شديدة لذلك فمن الممكن كما يقول بأن المشاكل مع أسترازينيكا وجونسن أند جونسن قد تكون مرتبطة بنواقل الفيروس الغدي.
> ماذا عن البلدان الفقيرة؟ في الأشهر المقبلة الحاسمة يعد لقاح أسترازينيكا أحد الآمال العظيمة في الكفاح من أجل المساواة في اللقاحات مما يضمن أن البلدان الفقيرة ستكون قادرة على تطعيم سكانها أيضًا حيث لا يستطيع الكثير من هذه الدول تحمل تكلفة لقاحات الحامض النووي الريبي المرسال التي تنتجها شركتا فايزر وموديرنا والتي يصعب أيضًا تخزينها وتوزيعها لأنها تحتاج إلى الاحتفاظ بها في درجة حرارة منخفضة جدًا.
لكن القيود المفروضة على استخدام لقاح أسترازينيكا في البلدان الغنية يمكن أن تلطخ سمعتها على مستوى العالم وتبطئ أو حتى تعوق خطة تطعيم العالم لكن هناك أشياء أخرى يجب مراعاتها كما يقول جيريمي فارار خبير الأمراض المعدية ومدير «ويلكوم تراست» Wellcome Trust في لندن وأستاذ طب المناطق الحارة في جامعة أكسفورد البريطانية سابقا، هي عدم التقليل من شأن تأثير كوفيد طويل الأمد إذ يبدو أن هذه اللقاحات تحمي من ذلك كما أن تطعيم الشباب لا يحميهم فحسب بل يساعد أيضًا على منعهم من نشر الفيروس إلى الأشخاص الأكثر ضعفًا في المجتمع.