بينما دعت المعارضة الإسلامية، التي أفرزتها انتخابات البرلمان الجزائري التي جرت السبت الماضي، إلى «حكومة وحدة وطنية تهتم بالتنمية وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار بشكل عاجل»، أعلنت غالبية الأحزاب التي حصلت على عدة مقاعد برلمانية ترحيبها بنتائج الانتخابات، التي كرست خارطة سياسية شبيهة بما كان عليه الوضع خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ورفض عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة، أمس، خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة، الرد بوضوح على سؤال حول مشاركته في الحكومة الجديدة المرتقبة، في حال عرضت عليه. وقال: «اهتمامنا منصب حالياً على تقديم طعون (ضد نتائج الانتخابات) للمجلس الدستوري، وليس على الحكومة والتحالفات السياسية المحتملة الخاصة بها».
وذكر مقري أن حزبه، الذي حصل على 64 مقعداً، «يريد بناء عقد جامع وتوافق وطني كبير، وحزام سياسي واسع. نريد حكومة وحدة وطنية تشتغل من أجل التنمية. وقبل ذلك، ندعو إلى إجراءات تهدئة، تتمثل في تحرير وسائل الإعلام من الضغوط، واستقلال القضاء عن السلطة، وبعدها نبدأ في إصلاحات. ونحن نعتقد أنه لا وجود لأفق اقتصادي من دون نمو المؤسسة الاقتصادية التي تنتج الثروة».
وتحت إلحاح صحافيين لمعرفة موقف الحزب الإسلامي من الالتحاق بحكومة رئيس تعارض سياسته، قال مقري إن مجلس الشورى «هو من يفصل في الموضوع. فإذا كان هناك حوار وطني يقترب من رؤيتنا سنعود إلى مجلس الشورى لنطلب قراره في موضوع المشاركة في الحكومة».
وكان للحزب وزراء في عدة حكومات منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكنه اختار في 2012 فك ارتباطه بالسلطة في سياق أحداث الربيع العربي، واختار صفوف المعارضة.
وأكد مقري أن «حركة مجتمع السلم حرمت من مقاعد كثيرة، وقد حققت فعلياً مقاعد أكبر مما تم إعلانه من طرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات». لكنه قال إنه «يبرئ الرئيس تبون من التزوير الذي حدث»، معلناً أنه سيرفع طعوناً إلى «المجلس الدستوري»، الذي يعود له تثبيت النتائج المعلنة أو يعيد النظر فيها في غضون الـ10 أيام، التي تلي الإعلان عن النتائج.
يشار إلى أن حزب «جبهة التحرير الوطني» (الحزب الواحد قبل التعددية) فاز بـ105 مقاعد. وحصل المستقلون على 78 مقعدا، فيما كان نصيب «التجمع الوطني الديمقراطي» (تيار وطني) 57 مقعداً. أما «حركة البناء» الإسلامية فحصلت على 40 مقعداً. وبلغت نسبة التصويت 23 في المائة (5.6 مليون ناخب من لائحة تضم 24 مليون ناخب)، وهي الأضعف منذ سنة 1997، تاريخ العودة إلى المسار الانتخابي بعد الحرب مع الإرهاب.
ويرجح أن الأحزاب الداعمة لسياسات الرئيس تبون ستشكل ائتلافاً ينعكس على التشكيل الحكومي المرتقب، وهي أربعة بالأساس: «جبهة التحرير»، و«البناء»، و«التجمع الديمقراطي» و«جبهة المستقبل»، مع احتمال ضم نواب مستقلين إلى الطاقم التنفيذي الجديد.
من جهته، أفاد عبد الله جاب الله، رئيس «جبهة العدالة والتنمية»، في فيديو نشره أمس بحسابه بمنصات التواصل الاجتماعي، بأن حصيلته الهزيلة في الانتخابات (مقعدان)، سببها «مناضلون لم ينضبطوا للأسف، بعد قرار الحزب المشاركة في الانتخابات، فهم لم يصوتوا ولم يشاركوا في الحملة، وهذا من بين الأسباب (الخسارة) الداخلية الموضوعية التي نتحملها في الحزب. كما نلوم أنصارنا ومحبينا الذين غابوا عن الانتخابات، إذ إن نسبة كبيرة من مقاطعي الانتخابات هم من أنصارنا، وهؤلاء سكنهم اليأس من إمكان أن يتم الإصلاح عن طريق الانتخابات».
بدوره، أفاد أبو الفضل بعجي، أمين عام «جبهة التحرير» للإذاعة الحكومية، أمس، بأن الانتخابات «منحتنا أكثر من ربع مقاعد البرلمان بكل حرية وشفافية، وهي نتيجة تحدث تجديداً وازدهاراً في حزبنا». وناشد رؤساء الأحزاب الفائزين في الانتخابات «التعاون من أجل بناء الجزائر وفق الإصلاح الديمقراطي، والترفع عن كل الحساسيات الشخصية الضيقة للذهاب نحو عملية البناء المؤسساتي، والعمل لصالح الشعب الجزائري».
من جانبه، صرح أحمد الدان، أمين عام «حركة البناء»، للإذاعة، بأن الحزب «حقق قفزة نوعية بعد فوزه بـ40 مقعداً، ونعتبر ذلك احتضاناً حقيقياً من الشعب الجزائري لحركة دخلت غمار هذا المسار لأول مرة، واستطاعت أن تترشح في كل الدوائر الانتخابية».