كشفت مصادر مطلعة في العاصمة اليمنية صنعاء عن استعدادات تجريها الميليشيات الحوثية لتشكيل ما يسمى بـ«مجلس اقتصادي أعلى» هدفه استكمال فرض السيطرة الكاملة على ما تبقى من مكونات القطاع التجاري والاقتصادي الخاص في مدن ومناطق سيطرة الجماعة.
وأكدت المصادر أن الجماعة المدعومة من إيران أوكلت مسبقا مهام إدارة ذلك المجلس للقيادي الحوثي والمقرب سلاليا من زعيم الميليشيات المدعو محمد أحمد الهاشمي المنتحل لصفة نائب وزير الصناعة والتجارة بحكومة الانقلابيين غير المعترف بها دوليا.
وتحدثت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، عن ضغوط كبيرة لا يزال يمارسها القيادي الحوثي الهاشمي بحق قيادات الغرفة التجارية والصناعية في العاصمة صنعاء بغية إقناعهم بقبول الشراكة مع الميليشيات والانخراط ولو بشكل صوري بذلك المجلس.
وفي السياق أيضا، كشف موظفون وعاملون في الغرفة التجارية بصنعاء عن أن بعض الضغوط الحوثية أفضت إلى إجبار قيادة الغرفة مؤخرا على إصدار بيان ينص على مباركتهم وترحيبهم بما يسمى خطة حكومة الميليشيات بإنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى.
وأشار هؤلاء العاملون في الغرفة التجارية إلى أن الهدف من تشكيل المجلس ليس كما تدعيه الجماعة من أجل تعزيز الشراكة بينها وبين القطاع الخاص بل لمعرفة وتتبع كافة أنشطة المجموعات والبيوت التجارية العاملة بنطاق مدن سيطرتها. وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إن الحديث عن تأسيس مجلس اقتصادي حوثي هو في الأساس استكمال لمخططات ومساعي الجماعة المستميتة لتضييق الخناق على منتسبي ذلك القطاع المهم وصولا إلى إحكام فرض السيطرة الكاملة عليه.
وفي الوقت الذي أثبتت فيه كافة التجارب السابقة أن الجماعة لا تقبل بأي شراكة مع أي جهة كانت سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، عدت الغرفة التجارية بصنعاء في بيانها الصادر مؤخرا أن المجلس يأتي لتعزيز الشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي. وزعم البيان حرص الغرفة على تعزيز الشراكة مع حكومة الميليشيات من ناحية حل ومعالجة كافة المشكلات التي يعاني منها القطاع الخاص بمناطق سيطرة الانقلابيين.
بدورهم، عبّر تجار ورجال أعمال في صنعاء عن أسفهم البالغ لعدم تطرق البيان إلى حملات النهب والجباية التي شنتها الجماعة على مدى الفترات الماضية بحقهم والكثير من زملائهم والتي قادت إلى تطفيش وإفلاس المئات منهم. كما عبروا أيضا عن رفضهم القاطع لدخول الغرفة التجارية (وهي كيان تجاري خاص بهم) كشريك في ذلك المجلس الحوثي المرتقب.
وبحسب ما أفاد به بعض التجار ورجال المال لـ«الشرق الأوسط»، فقد لجأت الميليشيات على مدى السنوات الماضية إلى ابتكار الكثير من الإجراءات والأساليب والحيل بغية السيطرة بشكل كلي على القطاع التجاري والاقتصادي بعموم مناطق سطوتها. وقالوا إن «من بين تلك الإجراءات تأسيس الجماعة لكيانات عدة داخل الغرفة التجارية بصنعاء من أجل بسط نفوذها على الأنشطة التجارية وتأسيس تكتل حوثي لتجارة واستيراد الأدوية وفرضها بمقابل ذلك قيودا مشددة على شركات الاستيراد، إلى جانب إنشاء الميليشيات مطلع العام الجاري لهيئة جديدة تحت اسم تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة هدفها السيطرة على أهم القطاعات الاقتصادية الحيوية.
ولفتوا إلى أنه ومنذ اقتحام الميليشيات العاصمة صنعاء ومدنا أخرى وفرض سيطرتها الكاملة على كافة مؤسسات الدولة، تعرض النشاط الاقتصادي والتجاري للكثير من الإجراءات والمضايقات والتعسفات التي كبدته خسائر كبيرة وأفقدت آلاف العاملين في القطاع الخاص أعمالهم ومصادر رزقهم.
وتواصلا لتعسفات الانقلابيين وجرائمهم المتكررة بحق منتسبي القطاع الخاص، شكا رجل أعمال يمني قبل يومين من تعرضه لحملة بطش ومصادرة غير قانونية لأمواله وممتلكاته وشركاته.
ونقلت تقارير محلية عن رجل الأعمال محمد الحيفي، قوله إن قيادات في الجماعة (لم يسمها) سطت مؤخرا على منزله، كما أنها تضغط في الوقت الحالي لإجباره على التنازل عن شركاته وبقية ممتلكاته. وأكد الحيفي أنه موجود في العاصمة صنعاء ولم يغادرها. وقال إن الجماعة بررت جرائمها تلك بتوجيهها له اتهامات عدة وصفها بـ«الكيدية»، منها أنه هارب خارج البلاد.
وتناقل عدد من موظفي شركات رجل الأعمال الحيفي مؤخرا صورا ومقاطع يظهر فيها الأخير وهو يطالب بوقف كافة التعسفات وجرائم النهب التي يتعرض لها من قبل نافذين حوثيين.
وطبقا لتأكيدات بعض الموظفين وبناء على حكم صادر من محكمة حوثية، فقد وضعت الجماعة كافة ممتلكات الحيفي ضمن تصرف ما تسميه «الحارس القضائي» وهي هيئة أنشأتها قبل فترة لهذا النوع من النهب الذي يمارس بشكل متكرر بحق المناوئين لها.
وكان مسؤول يمني رفيع قد كشف في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، عن أن نحو 30 من رجال الأعمال البارزين، ممن يقبعون تحت الإقامة الجبرية في العاصمة صنعاء، طلبوا في مارس (آذار) من العام قبل الماضي، من الحكومة اليمنية إيجاد طريقة لإخراجهم من المدينة بعد تلقيهم حينها تهديدات مباشرة بالتصفية إن أوقفوا عملية تدفق المبالغ المالية إلى خزائن قيادات رئيسية في الميليشيات تحت ما يسمى بـ«المجهود الحربي».
وبعث رجال الأعمال، الذين تحفظت حينها الحكومة الشرعية على أسمائهم لدواعٍ أمنية، برسائل عبر وسطاء إلى الحكومة، يطالبونها بإخراجهم بأي شكل، وبخاصة أن الكثير منهم بدأ يفقد التحكم والسيطرة في التعامل مع حساباته المالية وممتلكاته الثابتة والمنقولة، موضحين أنهم يعولون على هذا التحرك في وقف نزيفهم المالي الذي تعبث به الميليشيات.
وطبقا لتلك المعلومات، فإن الميليشيات قامت برصد كافة الأصول والممتلكات المالية لرجال الأعمال الموجودين في صنعاء، وجميع العمليات المالية التي نفذت بذلك العام تمهيداً للاستيلاء عليها في حال رفضوا تنفيذ الأوامر في تقديم الأموال، في حين ألزمت الميليشيات وتحت تهديد السلاح مديري البنوك والمؤسسات المصرفية التي ما زالت تعمل في صنعاء، بتقديم كشوف يومية عن العمليات المالية التي تجري في كل يوم.