عرضت مجموعة باحثين بريطانيين من مستشفى أنتري الجامعي في ليفربول ومستشفى أدينبروك في كامبريدج، نتائج مراجعتهم المنهجية التحليلية لجدوى استخدام حشوة الأنف المحتوية على «عوامل تخثر الدم القابلة للامتصاص» Dissolvable Intranasal Haemostatic Agents في حالات الرعاف Epistaxis الحاد.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد مايو (أيار) الماضي من مجلة طب الأذن والأنف والحنجرة الإكلينيكي Clinical Otolaryngology، قال الباحثون في مقدمة الدراسة: «حشو الأنف هو الدعامة الأساسية لإدارة التعامل العلاجي للرعاف. ومع ذلك، فإن الحشوات تسبب إزعاجا للمريض ويمكن أن تؤدي إلى دخوله المستشفى. وعوامل تخثر الدم القابلة للامتصاص توفر إما عوامل تخثر Clotting Factorsوإما تعمل كركيزة لتحفيز التخثر، ولذا تمثل بديلاً علاجياً محتملاً. وقمنا بإجراء مراجعة منهجية لتقييم فاعلية التخثر الموضعي في التعامل العلاجي للرعاف».
وقال الباحثون في نتائج مراجعتهم المنهجية: «تشير الدلائل إلى أن عوامل تخثر الدم (القابلة للامتصاص داخل الأنف) فعّالة في التعامل العلاجي للرعاف الحاد، عند مقارنتها بحشو الأنف».
رعاف الأنف
وتحتوي بطانة الأنف على العديد من الأوعية الدموية الصغيرة الموجودة قريباً من سطح تلك البطانة الأنفية، ويمكن أن تتهيج وتتهتك بسهولة، وتنزف بالتالي. وبخلاف ما قد يعتقد البعض، لا يُعد الرُعاف بشكل عام عرضاً من أعراض ارتفاع ضغط الدم أو حالة ناجمة عنه. ولكن حينما يكون لدى مريض الرعاف ارتفاع شديد في ضغط الدم، فإنه قد يفاقِم أو يُطيل نزف دم الرعاف. والحقيقة وفق ما يذكره أطباء مايوكلينك، فإن السببين الأكثر شيوعاً وراء الرُعاف هما: جفاف الأغشية الأنفية بسبب جفاف الهواء، ونخر الأنف بالأصبع.
وهناك أسباب أخرى شائعة في ظروف صحية مختلفة، مثل: التهاب الجيوب الأنفية أو الزكام، وحالات الحساسية، وتناول الأدوية المضادة للصفائح الدموية Antiplatelet Medications (مثل الأسبرين) أو أدوية زيادة سيولة الدم Anticoagulation Medications(مضادات التخثر كالوارفرين)، وأمراض اضطرابات تخثر الدم Bleeding Disorder، واضطرابات عمل وعدد الصفائح الدموية، وانحراف حاجز الأنف، وإصابة الأنف في الحوادث، ودخول جسم غريب في الأنف. ويُعد نزيف الأنف أمراً شائع الحدوث. وصحيح أن الرعاف غالباً ما يشكل مصدر إزعاج فقط للمريض ويكون بكمية قليلة، وبالتالي ليس مشكلة طبية حقيقية مهددة لسلامة حياته، ولكن هناك عدة ظروف صحية قد تجعل الرعاف حالة تتطلب معالجة ومتابعة إسعافية، وقد تتطلب الدخول إلى المستشفى، وربما الخضوع لعلاج جراحي مستعجل.
حشوات الأنف
وضمن عدد من الخطوات للمعالجة (كما سيأتي توضيحه)، قد لا تُفلح بعض الخطوات الأولية، كالضغط على الأنف من الخارج، في وقف نزيف الرعاف. وحينها، قد يضطر الطبيب إلى استخدام حشوات الأنف بنوع خاص من الشاشNasal Gauze Packing (تعبئة الشاش في الأنف) أو استخدام السدادة الأنفية Nasal Tampon (لبوليمر رغوي صناعي يتمدد في الأنف بعد الوضع في الماء)، للضغط الفيزيائي على الأوعية الدموية وإيقاف النزيف منها.
ويُعتبر حشو الأنف هو الدعامة الأساسية للعلاج. وهناك العديد من أشكال حشو الأنف، منها حشوة الأنف الأمامية وحشوة الأنف الخلفية. كما أن هناك أيضاً العديد من مواد الحشو القابلة للامتصاص، التي توقف النزيف من خلال استخدام عوامل التخثر التي تعزز تكوين الجلطات الدموية في الأوعية الدموية، ووقف نزيفها.
وللتوضيح، تفيد الإرشادات الإكلينيكية للتعامل مع حالات الرعاف إلى أنه يمكن تقسيم حشوات الأنف إلى نوعين: نوع قابل للامتصاص Resorbable Packing، ونوع آخر غير قابل للامتصاص Nonresorbable Packing.
والمقصود بالحشوة الأنفية «القابلة للامتصاص» هو الحشوة الأنفية التي تحتوي مواد تعمل على تخثر الدم، وبالتالي فإنها توقف نزيف الأوعية الدموية من خلال هذه الآلية. وبعدما يتم وضعها داخل الأنف، تذوب تدريجياً، ما يعني أنها لا تتطلب الإزالة لاحقاً. ومن أمثلتها ما شمله الباحثون البريطانيون في مراجعتهم الطبية الحديثة للدراسات التي تناولت عدة أنواع من «عوامل تخثر الدم القابلة للامتصاص»، وهي: مصفوفة الجيلاتين ‐ الثرومبين Gelatin‐Thrombin Matrix، رذاذ – هلام حامض الترانيكساميك Aerosolized -Gel Tranexamic Acid، عوامل السليلوز Cellulose Agents، ومانعات التسرب الفيبرين Fibrin Sealants.
والمقصود بالحشوة الأنفية «غير القابلة للامتصاص» هو الحشوة الأنفية التي يتم وضعها داخل الأنف، وتعمل على وقف النزيف من خلال آلية الضغط الفيزيائي على الأوعية الدموية لوقف نزيفها، وتتطلب الإزالة لاحقاً بعد أدائها عملها في وقف النزيف. وتشمل الحشوة غير القابلة للامتصاص مجموعة متنوعة من ضمادات الشاش والبوليمرات والبالونات القابلة للنفخ. ويجب إزالة جميع أنواع العبوات غير القابلة للامتصاص في مرحلة ما بعد تحقيق السيطرة المستمرة على نزيف الأنف.
إرشادات العلاج
وكان عدد يناير (كانون الثاني) 2020 من مجلة الأكاديمية الأميركية لطب الأنف والأذن والحنجرة AAO – ومؤسسة جراحة الرأس والعنقHNSF، قد تضمن تقرير إرشادات الممارسة الإكلينيكية للتعامل مع حالات الرعاف.
وأفاد التقرير بأن على الطبيب في أول تواصل له مع المريض، أن يميز مريض الرعاف الذي يتطلب «معالجة سريعة»، من المريض الذي لا يتطلب ذلك. وهو ما يتم من خلال تحديد مدى سلامة مجاري التنفس من تراكم كتل الدم المتجلط، واستقرار ضغط الدم وعدم تأثره بكمية الدم التي فقدها الجسم، ومدى نشاط النزيف استمراره دون توقف، ومدى شدة غزارته.
وأفادت الإرشادات قائلة: «في حين لا يوجد تعريف موحد للرعاف الشديد، إلاّ أنه يمكن تقييم شدة النزيف بعدة طرق. منها أن تبلغ مدة النزيف أكثر من 30 دقيقة على مدار 24 ساعة، والاضطرار إلى الدخول إلى المستشفى، والحاجة إلى نقل الدم بسبب الرعاف، وحصول ثلاث نوبات من الرعاف حديثاً. كما أن هناك عددا من الحالات المرضية المصاحبة لدى المريض، التي لها تأثير في الحاجة إلى التقييم الفوري والدقيق لحالته ومعالجته المستعجلة. مثل: وجود ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والرئة وفقر الدم واضطرابات تخثر الدم وأمراض الكبد أو الكلى المزمنة».
وأضافت تلك الإرشادات الطبية الحديثة: «بالنسبة للمرضى الذين لا يُمكن تحديد موقع النزيف لديهم، بسبب شدة النزيف رغم ضغط الأنف، يجب على الطبيب أن يعالج هذا النزيف النشط المستمر باستخدام الحشوة الأنفية غير القابلة للامتصاص. ولكن في بعض حالات المرضى، يجب على الطبيب تحديداً استخدام الحشوة القابلة للامتصاص التي تحتوي على عوامل تُسهم في تخثر الدم». وأضافت موضحة: «يوصى عادة بحشو الأنف القابل للامتصاص في حالات النزيف الشديد والمستمر، وللمرضى الذين يعانون من اضطرابات في تخثر الدم سواء كانت: وراثية، أو نتيجة لأمراض مزمنة في الكبد وغيره، أو نتيجة تناول أدوية مضادات التخثر، أو تناول الأدوية المضادة للصفيحات، أو عند وجود تشوهات الأوعية الدموية. ويجب أيضاً مراعاة استخدام الحشوة القابلة للامتصاص عند الأطفال الصغار، حيث قد تكون إزالة تلك الحشوات غير القابلة للامتصاص صعبة لاحقاً».
خطوات الإسعافات الأولية لرعاف الأنف
> يفيد الأطباء من مايوكلينك بمجموعة من خطوات الإسعافات الأولية المنزلية والمؤقتة، أي إلى حين الذهاب إلى الطبيب، لنزيف الأنف، وهي تشمل ما يلي:
– اجلس معتدلاً وانحن للأمام. يساعدك إبقاء جسمك مرفوعاً لأعلى، والجلوس مع الميل للأمام على تجنب ابتلاع الدم، لأن ابتلاع الدم قد يؤدي إلى تهيج المعدة.
– تمخط من أنفك بلطف لتفريغها من أي دم متخثر. استعمل بخاخ الأنف المزيل للاحتقان داخل أنفك.
– اضغط على أنفك. أغلق فتحتي الأنف باستخدام إصبع الإبهام والسبابة، حتى إن كان النزيف في أحد الجانبين فقط. تنفس من خلال الفم. استمر في الضغط لمدة 10 إلى 15 دقيقة. تضع هذه المحاولة ضغطاً على نقطة النزيف والحاجز الأنفي، مما يؤدي عادة إلى إيقاف التدفق الدموي. وإذا كان النزيف من الجزء الخلفي، فربما يحتاج الطبيب لوضع حشوة داخل الأنف إذا لم يتوقف النزيف تلقائياً.
– كرر الخطوات. إذا لم يتوقف النزيف، فكرر هذه الخطوات لمدة تصل إلى 15 دقيقة.
– لمنع بدء النزيف مجدداً بعد توقفه، يجب تجنّب العبث بالأنف أو التمخط والانحناء لأسفل لساعات عديدة. أبق رأسك في مستوى أعلى من القلب. ويجدر الذهاب إلى المستشفى في الحالات التالية:
– استمرار النزيف لأكثر من 30 دقيقة
– الشعور بدوار أو إغماء
– حدوث نزيف الأنف بعد التعرض لحادث أو سقوط أو إصابة في الرأس، بما في ذلك لكمة في الوجه قد تكون تسببت في كسر أنفك
– التعرض للنزيف المتكرر من الأنف. قد تكون هناك حاجة إلى كي أحد الأوعية الدموية. والكي هو أسلوب تُحرق فيه الأوعية الدموية باستخدام تيار كهربي أو نترات الفضة أو الليزر. قد يحشو الطبيب الأنف بنوع خاص من الشاش أو بالون لاتكس قابل للنفخ للضغط على الوعاء الدموي وإيقاف النزيف.
– التعرض لنزيف في الأنف بالتوازي مع تناول مميعات الدم مثل الأسبرين أو الوارفارين. وعندئذ، قد يوصي الطبيب بتعديل جرعات هذه الأدوية. وللمساعدة في الوقاية من نزيف الأنف لاحقا، اتبع الخطوات التالية:
– المحافظة على رطوبة الأغشية المخاطية المبطنة للأنف. ضع طبقة رقيقة وخفيفة من الجل (الفازلين) أو أي مرهم آخر باستخدام قطعة قطن ثلاث مرات يومياً، وخاصة في الأشهر الباردة عندما يكون الهواء جافاً. يمكن أن يساعد بخاخ الأنف المحتوي على محلول ملحي في ترطيب الأغشية الأنفية الجافة.
– تقليم أظافر الأطفال. يساعد تقليم الأظافر بانتظام على منع نقر الأنف.
– استخدام جهاز مرطب. قد يقاوم المرطب تأثيرات الهواء الجاف بإضافة بعض الترطيب إلى الهواء.
* استشارية في الباطنية