يتأثر الجسم البشري بتقلبات الطقس وتغيرات درجة الحرارة، وبالأخص ارتفاعها الذي يؤدي إلى فقدان الجسم للكثير من السوائل الأمر الذي يعرضه للجفاف وحدوث اختلال في توازن الأملاح الأساسية، وتضرر وظائف الكلى وغيرها من الأعضاء الحيوية بسبب ضعف التروية المائية والدموية.
أمراض الحرارة
يقول الدكتور أشرف أمير استشاري طب الأسرة بالمركز الطبي الدولي بجدة (IMC) ونائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع بالمملكة بأن الدراسات تشير إلى أن الوظائف الحيوية لأعضاء الجسم البشري تبدأ بالاعتلال مع ارتفاع درجة حرارة الجو وكذلك ارتفاع درجة الرطوبة، ويبدأ الجسم بالتفاعل مع ذلك فيضخ كميات أكبر من الدم إلى سطح الجلد، بهدف طرد الحرارة الداخلية إلى السطح، وهو ما يؤدي إلى حدوث التعرق، ومع تبخر ذلك العرق، تبدأ حرارة الجسم بالانخفاض مرة أخرى.
ولعل هذه الآلية هي من إحدى معجزات الجسم البشري. ولكن عندما تزداد درجة الحرارة الخارجية إلى ما فوق 40 درجة مئوية، فإن الإنسان يصاب بالإعياء والإجهاد والصداع وتزداد ضربات القلب وتتقلص وتتشنج العضلات وهذا ما يسمى «بالإجهاد الحراري» والذي يعتبر من أكثر الإصابات الحرارية شيوعا في فصل الصيف. ومن أكثر فئات المجتمع عرضة لهذه المشكلة، كبار السن ومرضى الأمراض المزمنة وعلى الأخص مرضى القلب ومرضى الكلى.
وإذا ما تعرض الإنسان لأشعة الشمس المباشرة لفترة طويلة في أجواء ترتفع فيها درجة الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية، سيحدث أن ترتفع حرارة الجسم الداخلية لأعلى من 40 درجة مئوية وعندها تتعطل عملية التعرق لحدوث تلف في مركز التحكم الحراري بالدماغ ويفقد الجسم قدرته على التبريد وتظهر أعراض «ضربة الشمس» على المصاب والمتمثلة في غثيان وصداع وتشنجات عضلية وجفاف البشرة واحمرارها، ويحدث التلف والضرر للعديد من أعضاء وأجهزة الجسم البشري والتي قد تصل إلى مضاعفات منها الصرع وفقدان الوعي والوفاة.
أخطاء سلوكية
يضيف الدكتور أمير أن هناك فئة من الناس قد يلجأون للتعرض للشمس في شدة توهجها وحدة حرارتها للحصول على فيتامين دي، وهذا من المعتقدات الخاطئة، إذ أن الشمس في هذه الحال تكون شمسا حارقة وغير مفيدة. ولتصحيح هذا المفهوم، يجب التنويه بأن الطريقة الصحيحة الموصى بها هي التعرض لأشعة الشمس لمدة 10 إلى 15 دقيقة من الساعة 8 إلى 10 صباحا ومن ثم من 4 إلى 6 مساء حيث تتوفر الأشعة فوق البنفسجية بكثرة في هذه الأوقات.
ولتفادي الإصابات الحرارية في هذا الموسم الحار علينا شرب السوائل بكميات كافية للحفاظ على التروية المائية للجسم وعدم التعرض للشمس في ساعات الحرارة القصوى واستخدام النظارات والمظلات والكريمات الواقية من أشعة وحرارة الشمس، وارتداء الملابس الخفيفة القطنية الباردة والأحذية المفتوحة. وقد يكون من المفيد أيضاً استهلاك الأغذية المرطبة للجسم مثل البطيخ والخيار اللذين يحتويان على 90 في المائة من المياه وكذلك الموز المحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم لمساعدة الجسم على الاحتفاظ بالمياه.
حج آمن
تحدثت إلى «صحتك» الدكتورة ريم علي العفاري استشاري ومحاضر بقسم التعليم الطبي رئيسة لجنة الإرشاد الأكاديمي والتوجيه المهني في كلية الطب جامعة الملك عبد العزيز – مشيرة إلى تجربة حج العام الماضي 1441 هجري، التي خاضتها المملكة لأول مرة تحت ظروف صحية طارئة بسبب الوباء العالمي «كوفيد – 19» وكانت ناجحة بل تعتبر مثالية جدا في عالم الكورونا، حيث انعدم الإبلاغ عن أي من الأمراض الوبائية أو الأحداث المتعلقة بالمشاكل الصحية للحجاج.
ولم يتحقق ذلك من فراغ بل كان نتيجة خطط مدروسة وخبرات طويلة في مجال طب الحشود، وكان أهمها قيام وزارة الصحة بتشكيل فريق تقني يضم علماء في مجال الوبائيات وخبراء في مجال الأمراض وحالات الطوارئ الصحية العامة للعمل بشكل وثيق ومرتبط مع وزارة الصحة في الإشراف والتوجيه وتقديم المشورة بشأن التدابير الصحية العامة المناسبة للتأهب والوقاية من أي فاشية مرضية محتملة. وكان من ضمن مهام هذا الفريق دعم تنفيذ التدابير والاحترازات التي وضعتها وزارة الصحة السعودية لضمان تحقيق حج آمن.
وشملت تلك التدابير الترصد الفعال للكشف المبكر عن أي فاشية للأمراض المعدية بين الحجاج والاستجابة لها؛ ومكافحة العدوى والوقاية منها؛ وسلامة الأغذية؛ والتلقيح أو التطعيم؛ والتوعية بالمخاطر والاستجابة لها في الوقت المناسب؛ وفقاً لمتطلبات اللوائح الصحية الدولية.
في حج هذا العام 1442 – 2021، ستتم الاستفادة من تجربة العام الماضي، وفي نفس الوقت سيكون هناك اهتمام كبير منصب على حماية الحجاج من آثار الإرهاق الحراري نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، حيث إن موسم حج هذا العام يصادف حلول فصل الصيف شديد الحرارة. وستكون هناك استعدادات للتعامل مع أي حالة تحتاج للعلاج في الوقت المناسب.
توجيهات
إن الأشخاص الذين استوفوا اشتراطات أداء مناسك الحج لهذا العام وسوف يؤدون – بإذن الله – الفريضة بحاجة للتذكير ببعض الأمور الصحية المهمة التي تساعد في جعل حجهم آمنا وسالما وخاليا من الأمراض والمشاكل الصحية، ونخص منهم فئة كبار السن وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة ومتعددة. فكبار السن يتميزون بضعف البنية وقلة المناعة وارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض المعدية مثل فيروس كورونا، نضيف إلى ذلك أن الإنسان بطبيعته يتعرض مع تقدمه في العمر للإصابة بالأمراض المزمنة وفي مقدمتها داء السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض التي تصيب أعضاء الجسم الحيوية المهمة مثل الكلى والكبد، وجميع هذه الأمراض تعتبر منهكة للجسم وقوته وتجعل صاحبه عرضة للإصابة بالأمراض المعدية أكثر من غيره ومنها فيروس كورونا. كما أن مشكلة زيادة الوزن مع تقدم العمر والتي أصبحت منتشرة في جميع دول العالم وبشكل خاص في المجتمع الخليجي ومنه المجتمع السعودي حيث أصبحنا مؤخراً نجد في كل بيت من بيوتنا شخصاً أو اثنين أو أكثر من الأسرة الواحدة يعانون من زيادة الوزن والسمنة وهذه أيضاً تعتبر من الأمراض التي تضعف المناعة ومقاومة الأمراض وتجعل الإنسان أكثر تعرضاً للإصابة بالأمراض بشكل عام.
نصائح طبية
تقدم الدكتورة ريم العفاري مجموعة من النصائح الطبية للمقدمين على أداء مناسك الحج لهذا العام خاصةً من فئة كبار السن وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة ومتعددة، وهي:
• التطعيم ضد فيروس كورونا هو من أهم الخطوات الرئيسية للحماية من الإصابة بالفايروس، ولن يسمح بالحج لمن لم يأخذ التطعيم.
> الحرص على تناول الفيتامينات المساعدة لبناء مناعة جيدة قبل الذهاب للحج.
> الالتزام بتطبيق الاحترازات والإجراءات الوقائية لكل حاج وحاجة شابا كان أم شيخا، ومنها ترك مسافات آمنة بين الأشخاص، وأن تكون هذه المسافة بما يقرب من 6 أقدام، فهذه المسافة تضمن تجنب العدوى من أي شخص مصاب أثناء سعاله فلا تهبط القطرات في أفواه وأنوف الأشخاص المجاورين.
> غسل اليدين باستمرار وتعقيمهما بالماء والصابون لمدة 20 ثانية على الأقل خاصةً بعد التواجد في مكان عام أو بعد لمس الأنف أو السعال أو العطس، وإذا لم يكن الصابون والماء متوفرين، يجب استخدام معقم لليدين يحتوي على 60 في المائة كحول على الأقل.
> تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر يومياً، ويتضمن هذا الطاولات، ومقابض الأبواب، ومفاتيح الإضاءة، والمكاتب، والهواتف، والمراحيض، والحنفيات، والأحواض لحماية الأشخاص من الإصابة بفيروس كورونا أو غيره من الفيروسات التنفسية الأخرى.
> أخذ الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة (كأدوية القلب والضغط والسكري والكلى والبخاخات التي تستخدم لمرضى الربو) لأن عدم الاستمرار في أخذها يؤثر على صحة الحاج وقدرته على إتمام مناسكه بشكل مريح وصحي.
> ارتداء قناع الوجه، عند الشعور بأعراض كسيلان الأنف، العطس أو الكحة. ويجب ارتداء قناع الوجه خاصةً عند التواجد بالقرب من أشخاص لديهم أعراض.
> يجب على مرضى الأمراض المزمنة تجنب لمس العين والفم والأنف بأيد غير مغسولة بصفة مشددة أكثر من غيرهم.
> وبالنسبة للمرضى الذين يعانون من مرض السكري ويستخدمون إبر الأنسولين في العلاج، أن يتوخوا الحذر بأخذ الجرعات الموصى بها من الطبيب والحذر من الإفراط في تناول السكريات والحلويات التي تؤثر سلبا على مستوى السكر في الدم وتؤثر أيضاً على نشاط الشخص المصاب وقدرته على أداء مناسكه.
> ويجدر الاهتمام أيضاً بسلامة القدمين لمرضى السكري، بشكل خاص، من أن يصابوا بأي جروح أو خدوش بسبب ضعف الإحساس وتأثر الأعصاب في أقدامهم بسبب ارتفاع مستوى السكر في الدم، لأن هذه الجروح قد تؤدي إلى التهابات شديدة قد تؤثر على تدفق الدم داخل الشرايين في القدم وتسبب مضاعفات حادة تستدعي التدخل الجراحي كوسيلة علاج فوري لإنقاذ القدم من فقدانها في أسوأ الحالات.
> مرضى الربو والحساسية هم من المرضى الذين يحتاجون إلى اهتمام كبير في تجنب الأسباب التي تزيد من الأعراض التنفسية لديهم. عليهم أولا مراجعة الطبيب المختص قبل الذهاب إلى الحج لأخذ رأيه في وضعهم الصحي وتجهيز الأدوية والبخاخات اللازمة والتي تساعدهم في السيطرة على الأعراض المصاحبة للربو والحساسية.
> التواصل مع الفريق الطبي المتواجد في حال وجود أي أعراض تصيب الجهاز التنفسي أو ارتفاع درجة الحرارة أو حدوث تعب مفاجئ لعمل الخطوات اللازمة لعلاج هذه الأعراض.
وأخيرا، إن اتباع هذه الخطوات بشكل مستمر ومنتظم يساعد حجاج بيت الله الحرام وجميع من يرافقهم ويجاورهم على المحافظة على صحتهم من التقاط أي من الفيروسات أو البكتيريا التي تتواجد عادة في التجمعات الكبيرة.
* استشاري طب المجتمع