غالباً ما يُستهان بالأخطار التي تهدد القلب لدى الأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية تزيد شدة الالتهابات لديهم.
أمراض المناعة الذاتية
عندما ينحرف جهاز المناعة في الجسم ويهاجم أنسجته الخاصة عن طريق الخطأ، فإنه يطلق العنان لفيض من خلايا الدم البيضاء وغيرها من المركبات. وتعرف هذه العملية باسم الالتهاب، وهي عملية خفية وخادعة إلى حد كبير، وهي السمة المميزة لأمراض التهابات الجهاز المناعي الذاتي autoimmune systemic inflammatory diseases.
كما أن الالتهابات تكمن أيضاً في صميم أمراض القلب والأوعية الدموية، فعندما تتراكم الترسبات الدهنية داخل الشرايين، يعتبرها الجسد أجساماً غريبة ويجند لأجلها ترسانة مماثلة من كريات الدم البيضاء المضادة. وهذا ما يزيد من اشتعال الاستجابة الالتهابية، مما يخلق ظروفاً تشجع على تكون الجلطات الدموية المسؤولة عن أغلب النوبات القلبية والسكتات الدماغية. لذلك قد لا يكون من المستغرب أن الأشخاص المصابين بأمراض التهابات الجهاز المناعي الذاتي هم أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية أو الوفاة جراء أمراض القلب والأوعية الدموية من بقية الناس بشكل عام.
وقد أدى الإدراك المتزايد لهذه المشكلة – وما يرتبط بها من تحديات في علاج المرضى المصابين – إلى ظهور تخصص جديد يعرف باسم «أمراض روماتيزم القلب» cardiorheumatology، كما تقول الدكتورة كاثرين لياو، المديرة المساعدة لعيادات الروماتيزم القلبي الوعائي في مستشفى بريغهام والنساء التابعة لجامعة هارفارد. وتقول الدكتورة لياو: «لسنوات عديدة، لم تكن هناك علاجات جيدة لالتهاب المفاصل الروماتيزومي والأمراض الالتهابية المرتبطة به. لكن ذلك قد تغير قبل حوالي عقدين من الزمن، مع تطور الأدوية المستهدفة المعروفة باسم «العقاقير الحيوية» التي تغير استجابة الجسم للالتهابات. ومع هذه العلاجات المحسنة، بدأ الناس يعيشون لفترات أطول. وسرعان ما ظهرت أمراض القلب والأوعية الدموية كسبب رئيسي لوفاة المصابين بهذه الحالات».
نوبات قلبية فتاكة
تزداد احتمالات تسبب النوبات القلبية في الوفاة بمقدار الضعف لدى البالغين الأصغر سناً الذين يعانون من حالات الالتهاب الجهازية، وفقاً لدراسة اشتركت في تأليفها الدكتورة لياو في 30 مارس (آذار) عام 2021، ونُشرت في المجلة الأوروبية لأمراض القلب الوقائية European Journal of Preventive Cardiology. وكان الأشخاص الذين يعانون من أمراض التهابية أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، ولكنهم كانوا يعانون من معدلات مماثلة من ارتفاع الكولسترول وداء السكري مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من أمراض التهابية.
وعلى غرار داء السكري، ينبغي اعتبار حالات الالتهاب الجهازية مثل الصدفية، والذئبة، والتهاب المفاصل الروماتويدي من الأمراض «المعززة للمخاطر» عندما يتعلق الأمر بتقييم احتمالات معاناة الشخص من مشاكل القلب، وفقاً لمبادئ الخبراء الإرشادية لسنة 2019 للوقاية من أمراض القلب. ومع ذلك، فإن مخاطر القلب الناجمة عن هذه الظروف الأقل شيوعا قد لا تأخذ قدرها المستحق.
وفي الدراسة الأخيرة، كان من غير المرجح أن توصف للأشخاص المصابين بأمراض التهابية أدوية الأسبرين والستاتين، رغم أن كليهما قد يساعد في الحد من مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية المتكررة.
خيارات العلاج
راهناً، لا توجد إرشادات واضحة حول أفضل طريقة للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية في الأشخاص الذين يعانون من الأمراض الالتهابية الجهازية بما يتجاوز ما هو موصى به لعامة الناس. وقد تقلل بعض العقاقير المستخدمة في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي والحالات ذات الصلة من خطر الوفاة بسبب أمراض القلب، بما في ذلك: ميثوتريكسات methotrexate (روماتيركس Rheumatrex، وتريكسال Trexall) والعقاقير البيولوجية المعروفة باسم مثبطات عامل نخر الأورام TNF – alpha inhibitors، وهذه تشتمل على إنفليكسيماب infliximab (ريمكيد Remicade)، وأداليموماب adalimumab (هوميرا Humira)، وإتانيرسيبت etanercept (إنبريل Enbrel).
يمكن وصف العقاقير اللاستيرويدية المضادة للالتهاب، والتي تشتمل على الإيبوبروفين (أدفيل، وموترين)، نابروكسين (أليف، ونابروسين)، وسيليكوسيب (سيليكسا)، وهي العقاقير الموصوفة للسيطرة على الألم والتورم. غير أن هذه العقاقير يمكن أن ترفع ضغط الدم، وترتبط بمخاطر أكبر للإصابة بالنوبات القلبية.
في عيادة الدكتورة لياو، يعمل أطباء القلب والروماتيزم سويا بصورة وثيقة على توفير أفضل رعاية ممكنة للأشخاص الذين يعانون من كلتا الحالتين المرضيتين.
الاختلالات الغامضة في نظام المناعة
في المعتاد، يوفر جهاز المناعة الحماية للجسم من الفيروسات، والبكتيريا، والكائنات الغازية الأخرى. ولكن أحياناً تشن الخلايا المناعية هجوماً غير ملائم على الأنسجة الذاتية للجسم. وتشتمل هذه الحالات الناتجة عن ذلك، المعروفة باسم أمراض التهابات الجهاز المناعي الذاتي، على ما يلي:
> الصدفية Psoriasis. يؤثر الالتهاب في الصدفية على الجلد، مسبباً طفحاً جلدياً وردياً أو ذا لون أحمر قاتم يظهر في صورة بقع على مؤخرة المرفق، وفي طيات الجلد، وعلى فروة الرأس. ويعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص مصابين بالصدفية أيضاً من نوع التهاب المفاصل الالتهابي المعروف بالتهاب المفاصل الصدفية psoriatic arthritis، الذي يسبب التهاب المفاصل (خصوصاً في الأصابع أو القدم أو الركبتين) والتصلب لثناء النهار، بالإضافة إلى الطفح الجلدي.
> التهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid arthritis. ويستهدف هجوم الجهاز المناعي الأنسجة المبطنة للمفاصل، مما يخلق التهاباً يتميز بالتورم، والألم، والتصلبة. وعادة ما تصاب عدة مفاصل في الوقت نفسه، خاصة في اليدين والقدمين. وتشتمل الأعراض الأخرى التصلب أثناء النهار الذي يدوم أكثر من ساعة، فضلاً عن الإرهاق.
> الذئبة الحمامية الجهازية Systemic lupus erythematosus. يمكن أن تؤثر العملية الالتهابية في الذئبة على أي عضو تقريباً في الجسم، مما يسبب مجموعة واسعة من الأعراض. وتشتمل الأعراض المبكرة الشائعة على الحمى، وآلام المفاصل الشبيهة بالتهاب المفاصل الروماتيزمي. ومن الأعراض المميزة أيضاً وجود الطفح عبر جسر الأنف والوجنتين، مما يسمى «طفح الفراشة» butterfly rash ويمكن لنوبة الجهاز المناعي أن تسبب الأذى أيضاً للقلب، والرئتين، والكليتين، والأوعية الدموية.
* رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا»