ما زالت المجتمعات العالمية؛ ومنها مجتمعنا العربي والخليجي والسعودي تعاني من مشكلة استشراء ظاهرة السمنة في مختلف فئات العمر، فلا يكاد منزل إلا ويوجد فيه طفل يعاني من زيادة الوزن أو السمنة، وهذه الإشكالية تزداد أكثر في المدن عن القرى، نتيجة مرور المجتمعات بعدة مراحل تطوّرت فيها الحياة الاجتماعية والاقتصاديّة بسرعة فائقة، إذ توفرت فيها المواد الغذائية بشكل كبير، وبكميات كبيرة، ما تسبب في ظهور طفرة في أوزان كثير من أفراد المجتمع، خصوصاً الأطفال واليافعين.
مؤتمر السمنة
نظّمت الجمعية السعودية لأمراض السمنة، خلال الأسبوع الماضي، في مدينة الرياض، عبر خاصية المؤتمرات الحضورية والافتراضية «المؤتمر السعودي العالمي الثالث للسمنة»، تحت شعار «نقلة نموذجية في إدارة السمنة». وشكّل المؤتمر منصةً علمية لمناقشة تحديات المخاطر العالية لمرض «كوفيد – 19» والعلاقة الارتباطية بينه وبين السمنة وزيادة الوزن، وضعاً بالاعتبار أن السمنة تشكّل سبباً لكثير من الأمراض المزمنة. وخلال المؤتمر الذي جمع نخبة من الأطباء من تخصصات عدة ومتحدثين سعوديين وعالميين وشخصيات رفيعة من وزارة الصحة السعودية، تم استعراض أحدث الأبحاث والدراسات العلمية في مجال السمنة.
وفي حديث حصري لـ«الشرق الأوسط»، صرح رئيس المؤتمر الأستاذ الدكتور عاصم بن عبدالعزيز الفدّا؛ استشاري أمراض الغدد والسكري والسمنة مؤسس ومدير المركز الجامعي لأبحاث السمنة بجامعة الملك سعود بالرياض، بأن المؤتمر السعودي العالمي للسمنة بالرياض هو أحد المؤتمرات الرائدة في مجاله. وأضاف أن من أهم ما تطرق له المؤتمر هذا العام ضرورة معرفة المسببات الحقيقية للسمنة، وأنها عبارة عن عوامل وراثية وعوامل بيئية تؤدي إلى اضطراب في تحكم الجسم بمخزون الطاقة وفي الرغبة للأكل وفي الإحساس بالشبع، ما يؤدي إلى تراكم الدهون وحدوث السمنة.
ولذا، يجب عدم اختزال طريقة معالجتنا لهذا المرض بأنه مجرد الحاجة لتقليل كمية الأكل وزيادة النشاط البدني. فمع أهمية هذين الأمرين، لا بد أن نتعامل مع السمنة كمرضٍ يستدعي استخدام جميع الأدوات الفاعلة لمنع حدوثه، ومنها تغيير نمط الحياة إلى نمط صحي، واستخدام الأدوية الفاعلة للتحكم في الوزن، والعمليات الجراحية بما تقتضيه كل حالة تتم معالجتها.
وما تم التأكيد عليه في المؤتمر أهمية تكاتف مؤسسات المجتمع العامة والخاصة في التثقيف والتوعية بهذا المرض، وأن منع حدوث زيادة في الوزن فوق المعدل الطبيعي لدى الأطفال سيساعد في التقليل من معدل انتشار السمنةِ لدى البالغين. كما أكّد المؤتمر دعم البرامج التعليمية والتدريبية للطلاب والأطباء في مختلف مراحل التعليم والتدريب لإيضاح مسببات السمنة والطريقة المثلى لتشخيصها وعلاجها.
وفي توافقٍ مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي تسعى إلى تحسين صحة أفراد المجتمع والتكيف مع أنماط الحياة الصحية، دعا المؤتمر إلى مواصلة الجهود في التوعية والإرشاد لكل فئات المجتمع، وتهيئة الأماكن المناسبة للنشاط البدني، وتشجيع أفراد المجتمع على مزاولة الأنماط الصحية والتكيف معها.
عوامل السمنة
وفي حديثه لملحق «صحتك»، أشار الأستاذ الدكتور عبد المعين عيد الأغا؛ أستاذ واستشاري الأطفال والغدد الصماء والسكري بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، إلى 9 عوامل رئيسية تلعب أدواراً في إصابة الأطفال بالسمنة، وهي:
> عوامل محيطة بالولادة وعلاقتها بالبدانة مستقبلاً: إذ أثبتت الدراسات العالمية وجود ارتباط بين زيادة كتلة أجسام الأمهات الحوامل والبدانة المستقبلية لدى أطفالهنّ، وأن الرضاعة الصناعية تعد عاملاً مسبباً للبدانة، ويجب عدم الاستسهال بالحليب الصناعي، بحجة أنّ حليب الصدر غير كافٍ، إلا إذا كان هناك عذر طبي يمنع الرضاعة الطبيعية.
> الاستعداد الوراثي، فإذا كان كلا الوالدين يعاني من البدانة المفرطة، فإن ذلك يزيد من خطر إصابة الطفل بالبدانة بنسبة تصل إلى 90 في المائة، وإذا كان أحدهما مصاباً بالبدانة فتصل النسبة إلى 30 في المائة، مقارنة بنسبة 9 في المائة إذا كان الوالدان نحيفين.
> نمط الحياة غير الصحي، فالاسترخاء وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة من أبرز العوامل التي تؤدي إلى البدانة، كاللجوء إلى قضاء أغلب الوقت في المنزل وعدم الخروج منه بسبب وفرة وسائل الترفيه، وحرارة الطقس.
> ساعات استخدام الأجهزة الإلكترونية، أوصت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بمنع الأطفال (دون سن العامين) من استخدام الأجهزة الإلكترونية أو الجلوس أمام الشاشات تماماً، ففي الفترة العمرية من 2 : 5 أعوام يجب ألا تزيد مدة جلوس الأطفال أمام الشاشات أو الأجهزة الإلكترونية على ساعة واحدة في اليوم، مع وجود بالغين لمساعدتهم في فهم ما يشاهدونه، وفي المرحلة العمرية من 6 : 18 عاماً، يجب على الآباء وضع حد ووقت معيّنين، بحيث لا يتجاوز ساعتين يومياً.
> الخلل الهرموني ونقص فيتامين «دي»، فزيادة نسبة هرمون الكورتيزول، وقصور الغدة الدرقية، وقصور إفراز هرمون النمو، وأورام الغدة النخامية أو أورام منطقة ما تحت المهاد، وكذلك نقص فيتامين «دي»، تم ربطه بالبدانة في كثير من الفرضيات، حيث يقلل من النشاط البدني والحركي، ما يؤدي إلى زيادة الوزن.
> المتلازمات، مثل متلازمة برادر – ويلي، ومتلازمة بارديت بيدل، ومتلازمة كاربنتر، ومتلازمة كوهين، ومتلازمة تيرنر.
> التوتر والقلق النفسي، ويشمل عدة عوامل، منها: وفاة أحد الوالدين أو انفصالهما، مشاكل التعلم أو الدراسة، والمشاكل العاطفية، والأمراض الطبية المزمنة.
> العقاقير الطبية، مثل العقاقير المحتوية على الكورتيزول، ومضادات الاكتئاب، ومضادات الصرع، والأدوية النفسية.
> تحول الميكروبات المعوية النافعة إلى ضارة، فأكثر وجودها في الأمعاء الدقيقة بنحو تريليون ميكروب، ونسبة وجودها في الجهاز الهضمي 29 في المائة، يليه الفم 26 في المائة، ثم الجلد 21 في المائة، والشعب الهوائية 14 في المائة، والجهاز التناسلي 9 في المائة، وعندما تتحول الميكروبات النافعة إلى ضارة بسبب عوامل عديدة، منها بيئية أو جينية، ينتج عنها كثير من الأمراض المزمنة.
تأثيرات السمنة
> إصابة الأطفال بالسكري من النوع الثاني. للسمنة المفرطة مخاطرها في التهديد بداء السكري من النمط الثاني، فهذا النمط لم يكن معروفاً في العقود السابقة إلا في البالغين وكبار السن. أما الآن وخلال السنوات الأخيرة، فقد انتشرت السمنة بشكل كبير بين فئات الأطفال والبالغين والمراهقين والشباب، وبدأ معها رصد حالات جديدة للسكري من النوع الثاني، مع ملاحظة أن اكتساب الوزن الزائد الذي يصل إلى حد السمنة، يحدث تدريجياً مع اتباع بعض العادات الغذائية الخاطئة، منها الإكثار من تناول أطعمة الدهون التي منها الوجبات السريعة والأطعمة التي لا تحتوي على أي قيمة غذائية، والإكثار من تناول المشروبات الغازية وما يترتب عليها من زيادة السعرات الحرارية، وعدم ممارسة أي نشاط رياضي، والاستمرار على الحياة الخمولية، ما يساعد في اختزان الدهون في الجسم.
> آثار اقتصادية واجتماعية. وإذا تطرقنا إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية، فنجد أن علاج مشكلة سمنة الأطفال تستنزف كثيراً من القطاعات الصحية، وأيضاً من ميزانية الأسر، إذ إنه يتم علاج السمنة وفق منظومة صحية متكاملة تتطلب إجراء التحاليل والفحوصات التشخيصية والأشعات وغير ذلك، وتزداد المصاريف أكثر إذا صاحبت السمنة مضاعفات أخرى تتطلب العلاج. أما اجتماعياً ونفسياً، فللأسف كثيراً ما نجد أن الأسرة تترك أطفالها على حالهم دون علاج، بل يعايرونهم بمناداتهم بكلمات وعبارات جارحة تمس مشاعرهم، فالانعكاسات النفسية التي تترتب على أطفال السمنة عديدة منها الاكتئاب النفسي من نظرة أشقائه أو أصدقائه أو زملائه الطلاب وغيرهم على أنه بدين، ما قد يؤدي إلى العداء والتصرفات غير المحببة، وتأخر التحصيل العلمي، بالإضافة إلى الإحساس بالنقص واعتزال الجميع والميل للوحدة، والإحباط، والخجل.
وسائل الوقاية
يظل السؤال كيف يمكننا الوقاية ومواجهة السمنة عند الأطفال؟ يجيب البروفسور أغا أن هناك عدة نقاط مهمة تبدأ من مرحلة الولادة إلى مرحلة الكبر، وهي: تشجيع الأمهات على إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية، وحث الوالدين على الحفاظ على أوزانهم، حيث إن الوراثة تلعب دوراً في حدوث البدانة لدى الأطفال، حث الأم قبل الحمل أو خلاله على تجنب البدانة، حيث إن ذلك يؤثر على وزن مولودها المستقبلي، وإطلاق برامج توعوية عبر وسائل الإعلام والمدرسة عن أهمية الغذاء الصحي والرياضة في الوقاية والعلاج؛ لتشجيع الأطفال على اتباع الأنماط الصحية في النشاط والتغذية، وتدريب الأطفال على مضغ الأكل ببطء، والإكثار من تناول الخضراوات والفواكه والبروتينات، واستخدام الزيوت النباتية وغير المشبعة في تحضير الطعام، وتجنب المشروبات الغازية واستبدال شرب الماء بها، والابتعاد عن الوجبات السريعة والحلويات والشوكولاته، وتقليل النشويات والسكريات عالية السعرات الحرارية، وتشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة، وتجنب الأكل أمام التلفاز، وتجنب استخدام الحلوى كوسيلة لمكافأة الأطفال، وتجنب المأكولات المقلية خصوصاً شرائح البطاطس واستبدال المسلوقة أو المشوية بها، وتجنب وصفات الحمية العشوائية والتجارية التي قد تنقص الوزن وتسبب مضاعفات صحية خطيرة، مثل نقص بعض الفيتامينات والمعادن الضرورية للجسم.
العلاج الصحي للسمنة
يواصل البروفسور أغا أن هناك 5 مراحل علاجية لسمنة الأطفال وهي:
> العلاج الغذائي، فمن المهم تحديد كمية السعرات الحرارية من قبل أخصائي التغذية، وتناول الطعام بقطع صغيرة، وتجنّب الأكل السريع، والاعتماد على الحمية الغذائية الصحية المتوازنة الغنية بالعناصر المختلفة مثل: البروتينات، والفيتامينات، والمعادن، والتقليل من العصائر والمشروبات المحلاة، والحد من الوجبات السريعة، والامتناع عن تناول الطعام أمام التلفاز أو الحاسوب الآلي أو شاشة ألعاب الفيديو.
> النشاط البدني، يعد جزءاً مهماً للمحافظة على الوزن الطبيعي، خصوصاً لدى الأطفال، إذ يساعد في حرق السعرات الحرارية الزائدة، وله أهمية في تقوية العظام والعضلات، ويساعد الأطفال في النوم الجيد ليلاً والنشاط نهاراً.
> العلاج السلوكي، بمشاركة الأم والأسرة لتشجيع أطفالها واليافعين على إنقاص الوزن، وأن يكون الآباء والأمهات قدوات حسنة لهم في اتباع نمط الحياة الصحي من نشاط رياضي وغذاء مفيد ومتكامل.
> العلاج الدوائي، قد نحتاجه ضمن خطة العلاج الشامل، خصوصاً لمن لم يتمكنوا من إنقاص الوزن بالرغم من العلاج الغذائي والسلوكي والنشاط البدني، أو بظهور بعض مضاعفات البدانة مثل مقاومة الإنسولين، أو السكري من النوع الثاني، أو ارتفاع ضغط الدم، أو تشحم الكبد، أو ارتفاع الكوليسترول، أو تكيس المبايض لدى الإناث.
> العلاج الجراحي لإنقاص الوزن، قد يكون الخيار والحل الأمثل لليافعين والبالغين الذين يعانون من البدانة المفرطة، ولم يتمكنوا من إنقاص الوزن بالعلاج الغذائي والسلوكي والنشاط البدني، وكان وزنهم يشكل تهديداً لصحتهم.
* استشاري طب المجتمع