لا تزال حيثيات محاولة الانقلاب في تركيا التي وقعت يوم 15 يوليو عام 2016 غير واضحة، خصوصاً بعدما أسفرت عن فرض حالة الطوارئ في البلاد وملاحقة المعارضين وحظر قنوات إعلامية والتضييق على الصحافة.
ففي ليلة الانقلاب تلك، قُتل حوالي 251 شخصاً وأصيب أكثر من 2000 شخص، وقصفت الطائرات المقاتلة مبنى البرلمان التركي في أنقرة وانطلقت مسرعة فوق اسطنبول.
كما تحركت الدبابات إلى الشوارع وأغلقتها، وأعلن المنفذون عبر التلفزيون الرسمي أنهم تولوا السلطة، لكن سرعان ما أصبح واضحاً أن الانقلاب ضعيف، وأنه سيفشل، خصوصاً بعدما حافظت قيادات مهمة في الجيش على موقفها من الحكومة، وفق تقرير لصحيفة "دير تاغيس شبيغل" الألمانية.
وبعد مرور سنوات، عادت تلك الحادثة إلى الواجهة، تطرح أسئلة على الحكومة التركية بشأن حقيقة ما جرى في ذاك اليوم، حتى من قبل المدافعين عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنفسهم.
فنهال أولكوك والدة عبدالله طيب أولكوك البالغ من العمر 17 عاماً والذي تعرض لإطلاق نار دفاعاً عن الرئيس التركي ليلة الانقلاب، فقد أسست حزباً معارضاً وتطالب بتوضيح حقيقة ما حصل.
أحداث الانقلاب غامضة
ونهال وهي أيضاً زوجة إيرول أولكوك، الذي عمل كرئيس للعلاقات العامة في حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو صديق لأردوغان، ليست الوحيدة التي تعتقد أن ما حدث بالفعل في تلك الليلة غامضاً والقصة التي قيلت للناس ليست كل الحقيقة.
وبكى الرئيس التركي في جنازة عبد الله طيب أولكوك ووالده اللذين دفنا معاً، كما سميت بعض من المدارس والحدائق والملاعب في جميع أنحاء البلاد على اسميهما تكريماً لتضحياتهما، وفق تعبير السلطات، إلا أن لدى أم عبد الله طيب كثير من الشكوك بصفتها مدعية مشتركة في محاكمات الانقلاب، حيث وظفت محامين وكثفت قراءتها عن أحداث الانقلاب وملفات المحاكمات.
وقالت السيدة الثكلى للصحافة التركية إن بإمكانها الادعاء بأنها تعرف الملفات أفضل من القضاة والمدعين العامين الحكوميين – وكلما قرأت المزيد من الملفات، زادت شكوكها على ما حدث أكثر.
ورأت نهال أولكوك أن حكومة أردوغان، بتطهيرها السياسي ومحاكماتها الصورية وعقوباتها القاسية ضد المؤيدين المزعومين لحركة فتح الله غولن المتهم بتدبير الانقلاب (رغم نفيه ذلك مراراً)، لا تسعى بجدية إلى معالجة ما جرى بعد الانقلاب.
الحكومة تريد توسيع سلطتها
وأضافت أن "الحكومة إنما تريد توسيع سلطتها في البلاد"، متساءلة، كيف يثق الناس بالقضاء في هذا البلد؟، وتابعت: "بل يجب عليهم توضيح أحداث تلك الليلة، حيث تحاسب الحكومة أناسا دون ذنب.
كذلك، ترى أن حزب العدالة والتنمية استغل الحادث لتوسيع سلطته في البلاد، كما اتهم داود أوغلو الرئيس أردوغان بما جرى، وتريد نهال أولكوك أن تعرف شيئاً واحداً من الحكومة: "من قتل عبد الله طيب أولكوك؟ وذلك في إشارة غير مباشرة إلى تورط أردوغان وحكومته في الأمر.
اعتقال وتضييق
الجدير ذكره أن عشرات الأشخاص من عسكريين ومدنيين بالإضافة إلى صحافيين وناشطين وأساتذة جامعات كانوا تعرضوا للاعتقال أو أجبروا على ترك أعمالهم بحجة مساندتهم للانقلاب الفاشل.
وفي أبريل/نيسان الماضي وحده، حكم على 22 عسكريا تركيا سابقا بالسجن مدى الحياة، بعد إدانتهم بلعب دور أساسي في محاولة الانقلاب والتي تبعتها عمليات تطهير واسعة في صفوف القوات المسلحة.
كذلك حكم على 337 شخصا بينهم ضباط وطيارون بالسجن مدى الحياة في ختام المحاكمة الرئيسية في نوفمبر 2020.