مع افتتاح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، صباح أمس (الجمعة)، جلسات الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، في مبنى الوزارة في واشنطن، التي سبقها قبل يوم واحد بدء جلسات الحوار العسكري بين البلدين في مبنى البنتاغون، برزت في تصريحات المسؤولين الأميركيين مؤشرات عدة، عن احتمال الموافقة على «تمنيات» المسؤولين العراقيين، صدور بيان بعد لقاء الرئيس جو بايدن مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الاثنين، يعلن مبدئياً أن القوات الأميركية ستغادر العراق بحلول نهاية العام الجاري، تتويجاً للجولة الرابعة لهذا الحوار بين البلدين.
ورغم أن الواقع على الأرض قد لا يكون مختلفاً، في ظل الدعوات التي تطالب بتغيير دور الوجود الأميركي ومهماته في العراق، فإن المسؤولين الأميركيين لا يرغبون في الظهور بموقف مخالف للدعوة العراقية أو إحراجهم، فوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أشار إلى نوع «المقاربة» الجديدة التي تريدها بغداد لمسألة الوجود الأميركي. وقال إن «العراق لا يحتاج إلى مقاتلين، بل إلى تعاون استخباري وتدريب لقواته وتأمين الغطاء الجوي لها»، وهي قضايا من صلب الدور الذي تلعبه ولا تزال القوات الأميركية الموجودة في العراق. وأضاف أن العراق لا يحتاج إلى ثورة، بل إلى بناء دولة.
المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، كان أوضح رداً على هذه التوقعات، بالقول إنه «لن يستبق الحوار ونتائجه ووصول رئيس الوزراء العراقي، لكنه يتصور أن تكون الجهود الجماعية المشتركة للتأكد من هزيمة (داعش) على رأس جدول الأعمال، فالعراق شريكنا وقواتنا موجودة هناك بناء على طلب الحكومة ونعمل بالتنسيق معهم ضد التحديات المشتركة».
ونقل عن مسؤولين أميركيين وعراقيين أن الهدف من البيان هو تمكين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من تخفيف الضغط السياسي الذي يتعرض له من قِبل الفصائل العراقية المتشددة الموالية لإيران، التي تريد مغادرة جميع القوات الأميركية في البلاد، التي يبلغ تعدادها 2500 جندي.
وقال مسؤول أميركي إن واشنطن تخطط للوفاء بشروط البيان بشكل أساسي من خلال إعادة تعريف دور بعض القوات في العراق، بدلاً من تقليص الوجود الأميركي، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال». وأضاف أن «الأمر ليس تعديلاً عددياً، بل هو توضيح وظيفي لما ستقوم به القوات الأميركية، بما يتفق مع أولوياتنا الاستراتيجية».
المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي كان قد أوضح، في بيان، أن الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بحثت العلاقات الأمنية الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق، والتعاون الأمني طويل الأمد بين البلدين ومجالات التعاون خارج نطاق مكافحة الإرهاب. وفيما أكد على تجديد التزام البلدين المشترك بمهمة القضاء على تنظيم داعش، وضرورة تمكين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من دعم قوات الأمن العراقية بشكل آمن. وأشار كيربي إلى أن القوات الأميركية موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية لتحقيق هذا الهدف، وأنه سيأتي الوقت الذي تنتفي فيه الحاجة للقوات المقاتلة، وهذا الأمر سيتم بالتنسيق مع العراقيين.
وبحسب البيان، فقد شارك في الحوار العسكري في البنتاغون عن الجانب الأميركي، مارا كارلين، القائمة بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، وعن الجانب العراقي مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول ركن عبد الأمير الشمري. وانضم وزير الدفاع لويد أوستن إلى الاجتماع، حيث أكد التزام واشنطن بمهمة هزيمة «داعش»، ودعمه الثابت للشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
كما أكدت قيادة العمليات المشتركة العراقية أنها أجرت لقاء مع نظيرتها الأميركية، ناقشتا فيه مستقبل العلاقة الأمنية الاستراتيجية بين البلدين. ويرى خبراء أميركيون أن التغيير الذي يطالب به العراقيون في جلسة الحوار الجارية، لن يكون له تأثير على المهام اليومية للقوات الأميركية، التي تقوم بالفعل بالمهام التي يطالب بها وزير الخارجية العراقي. فالقوات الأميركية عملياً لا تقوم بأي مهام قتالية، خارج نطاق التنسيق مع القوات العراقية في حملاتها ضد الإرهاب. لكنها تنفذ عمليات قتالية فقط عندما تتعرض للهجمات، كما يجري الآن، وهذا حق مشروع بحسب المسؤولين الأميركيين، وهو ما شدد عليه المتحدث باسم البنتاغون قائلاً إن مناقشة القضايا والتهديدات الأمنية تتم على خلفية ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن عن «استعداده لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأميركيين، كقائد أعلى للقوات الأميركية، وأن الشركاء العراقيين يتفهمون هذا الأمر».
حتى الآن لا تبدو الصورة واضحة عن مدى قبول الميليشيات المدعومة من إيران بهذا التعديل في دور القوات الأميركية، بين مقاتلة وأخرى تقوم بمهام الدعم والتدريب، في الوقت الذي تواصل فيه هجماتها الصاروخية وبطائرات مسيرة «درون» على المواقع التي توجد فيها تلك القوات، وتطالب بخروجها كلها من دون تمييز أو استثناء.
وفي انتظار صدور البيان الذي يفترض أن يوضح التعديل الذي سيطرأ على دور القوات الأميركية، لم يقدم المسؤولون الأميركيون والعراقيون تفاصيل حول كيفية تنفيذ سحب القوات المقاتلة وكيف يمكن تفسير البيان المخطط للسماح بالمهام الأساسية. غير أن المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي أعلنت، يوم الخميس، أن هناك حاجة متناقصة للقوات الأميركية المقاتلة في العراق، وأن الدور العسكري الأميركي المستقبلي في العراق ستتم مناقشته عندما يلتقي الكاظمي مع بايدن.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، قالت الولايات المتحدة والعراق، في بيان مشترك، إن مهمة القوات الأميركية وقوات التحالف تركز على التدريب وتقديم المشورة، وأنه سيتم تحديد جدول زمني لـ«إعادة انتشار أي قوات قتالية متبقية من العراق» في المحادثات المستقبلية.