كشفت مصادر عراقية أن عدداً من الفصائل المسلحة الموالية لإيران وحلفاء سياسيين، اتخذوا قراراً بسحب الثقة عن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من خلال تأجيل الانتخابات المقبلة إلى إشعار آخر. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن نتائج لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن والكاظمي، أول من أمس، لم تكن مرضية لفصائل تريد استمرار المواجهة مع الحكومة والمصالح الأميركية، وإنها مصرة على التصعيد.
وأفضى اجتماع الكاظمي ببايدن في البيت الأبيض إلى اتفاق على «إنهاء المهام القتالية نهاية العام الحالي»، دون أن يتضمن أي إشارة على إنهاء الوجود الأميركي في البلد، وهو المطلب الأساسي للفصائل المسلحة، بتأييد وضغط متواتر من طهران.
وظهر أكرم الكعبي، أمين حركة «النجباء»، إحدى الفصائل الشيعية المسلحة، في مقابلة تلفزيونية، مشدداً على أن «المقاومة ستواصل هجماتها ضد الأميركيين، وأنها لا تفرق بين مسمياتهم»، قتالية أو تدريبية.
وقال مسؤول سياسي في فصيل مسلح، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن «جميع اتفاقات التهدئة مع الحكومة والأميركيين قيد المراجعة الآن (…) لا نعرف إن كان موعد الاقتراع الحالي بمعزل عن التغييرات المقبلة».
ويتناقض هدفا تأجيل الانتخابات وحجب الثقة عن الحكومة، لأن الفصائل كانت تريد إنهاء ولاية الكاظمي هذا الخريف، ومنعه من الاستمرار على رأس السلطة التنفيذية، لكن يبدو أن المتغيرات الأخيرة أجبرت الفصائل على التخلص منه عبر التلاعب بموعد الانتخابات، ذلك أن الأخير واحد من مهمتين أساسيتين للحكومة، إلى جانب مواجهة جائحة «كورونا».
لكن مخرجات الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، لا سيما تحديد نهاية العام الحالي موعداً لإيقاف المهام القتالية للقوات الأميركية، قد يكلف الفصائل ثمناً باهظاً بخسارة واحد من أكبر استثماراتها السياسية في البلاد.
وأوضحت المصادر أن «قادة تلك الفصائل بدأوا تفاهمات عاجلة مع الفعاليات السياسية الحليفة، من السنة والشيعة، للاتفاق على آليات سحب الثقة عن الكاظمي».
ونفى مستشار سياسي رفيع، لـ«الشرق الأوسط»، «وجود اتفاق بين قادة الأحزاب الكبار على حجب الثقة عن الكاظمي، لكن الانتخابات وموعد إجرائها أمر منفصل تماماً ويخضع لمتغيرات كثيرة (…) مع ذلك، الجميع يتعاطى مع الموعد المعلن للانتخابات في أكتوبر (تشرين الأول)، حتى الآن». غير أن قيادياً حزبياً رفيعاً، أبلغ «الشرق الأوسط»، أن «آليات حجب الثقة عن الكاظمي تعتمد على إحراجه بتأجيل الانتخابات (…) إنهم يريدونه ضعيفاً لتوجيه الضربة الأخيرة».
وتتقاطع هذه التحركات مع مزاج سياسي يميل كثيراً إلى التهدئة بين الفرقاء السياسيين، لكن عدداً من الفصائل تحاول إبقاء صراعها ضد الأميركيين على قيد الحياة أطول فترة ممكنة.
ورحبت غالبية الكتل الشيعية بنتائج الجولة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، أبرزها التيار الصدري التابع لرجل الدين مقتدى الصدر، الذي قرر مؤخراً مقاطعة الانتخابات، ومنظمة «بدر»، التابعة لهادي العامري الذي يحتفظ بعلاقة استراتيجية مع إيران، فضلاً عن «كتائب الإمام علي»، أحد أبرز الفصائل المسلحة في العراق.
وعلى ما يبدو، فإن التقاطعات داخل المنظومة الشيعية تتجه إلى فرز سياسي حاد تتحكم به حسابات القوة والنفوذ، ولن تكون الانتخابات المقبلة بمعزل عنها.