في الوقت الذي لا تزال تتجاهل فيه الميليشيات الحوثية معاناة اليمنيين بمناطق سيطرتها عقب حرمانهم منذ الانقلاب من الحصول على أبسط الحقوق وأقل الخدمات الأساسية، تصاعدت موجة السخط في الشارع الخاضع للميليشيات من قيامها بإهدار الأموال على إقامة المناسبات الطائفية.
فرغم استمرار وتيرة الفعاليات الحوثية المقامة حالياً احتفاءً بما يسمى «يوم الولاية»، فإن قيادة الجماعة فاجأت اليمنيين مؤخراً بابتكار فعالية جديدة لإحياء ذكرى رحيل بدر الدين الحوثي والد زعيم الميليشيات، لتضاف إلى قائمة مناسباتها التي تستغلها في ممارسة العنصرية والطائفية ونهب الأموال والزج بالأطفال إلى أتون المعارك الخاسرة.
وبحسب ما أفادت به مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أصدر قادة الجماعة قبل أيام تعليمات مباشرة لمشرفيها ومسؤولي المؤسسات الحكومية في صنعاء ومدن أخرى تحضهم على إحياء فعاليتي ما تسميه «يوم الولاية» وذكرى وفاة والد زعيمها عبد الملك الحوثي. وبموجب تلك التعليمات، ضجت وسائل إعلام حوثية على مدى الأيام القليلة الماضية بموضوعات على صلة بالفعالية المبتكرة، إذ سارع مشرفون مؤدلجون طائفياً إلى إحياء العشرات منها على مستوى المحافظات والمديريات والقرى القابعة تحت سيطرتهم.
وكانت الجماعة قد أعلنت في أواخر عام 2010 عن وفاة زعيمها المدعو بدر الدين الحوثي عن عمر ناهر 86 عاماً، مشيرة إلى أنه كان يعاني من مرض الربو. وتزامن توجه الانقلابيين لابتكار وإحياء المناسبات الطائفية، مع تدهور الوضع الإنساني في العاصمة صنعاء ومناطق عدة تحت سيطرتهم إلى مستويات غير مسبوقة.
ونظراً لصعوبة الأوضاع المعيشية والحياتية التي لا تزال تعصف بملايين السكان في صنعاء ومناطق أخرى، تحدث عدد من اليمنيين لـ«الشرق الأوسط» عن بعض أوجاعهم ومن بينها ارتفاع الأسعار ونسب الجوع والفقر والبطالة وانعدام الخدمات الأساسية في ظل ما قالوا إنه استمرار لنهب الجماعة للمرتبات وتقاعسها عن القيام بواجباتها حيال ما يتعرضون له بالوقت الحالي نتيجة مخاطر سيول الأمطار.
وعلى الصعيد ذاته، ندد ناشطون وسكان في صنعاء باستمرار الجماعة في ابتداع المناسبات التي تهدف لسرقة ما تبقى من أموال اليمنيين وموارد دولتهم ومؤسساتها المختطفة.
وشن عدد من الناشطين حملة انتقادات واسعة استهجنت انشغال الجماعة في ابتكار فعاليات طائفية جديدة ومواصلة احتفالها حالياً بما تسميه «عيد الولاية» في وقت لا يزال فيه ملايين السكان بمدن سيطرتها يعانون من أزمات متعددة آخرها الفيضانات التي اجتاحت مناطقهم. وذكر البعض منهم أن المسؤولية الأخلاقية والوطنية تستوجب على الجماعة التحشيد لتنظيف شوارع وطرقات وأحياء وحارات العاصمة صنعاء ومدن يمنية أخرى من مخلفات الفيضانات والإسراع بترميم المنازل ومساعدة المنكوبين.
من جانبه، قال (أحمد. س) وهو اسم ترميزي لتاجر في صنعاء تعرض سابقاً لحملات ابتزاز حوثية: «إن الجماعة لم تكتف بمحاولة طمس هوية المجتمع اليمني بدس الأعياد الطائفية، لكنها تواصل ابتكار مناسبات جديدة تقوم عادة باستغلالها وتحويلها إلى مواسم للجباية ونهب الأموال».
ولفت إلى أن مناسبات ما تسمى بـ«الصرخة، يوم الولاية، وعاشوراء، والمولد النبوي، ويوم مقتل مؤسس الجماعة، ويوم مقتل القيادي صالح الصماد، وغيرها» تعد كابوساً مرعباً لملايين اليمنيين لارتباطها بحملات الجباية.
ويشير أحمد، إلى أنه ومع بداية كل عام وقبل أي مناسبة طائفية، تعمل الجماعة على تدشين مشروع جباية الأموال؛ سواء من خلال مؤسسات الدولة التي تخضع لسيطرتها، أو عبر ممارسات ابتزازية أخرى ضد التجار والمواطنين. وكانت الجماعة – حليف إيران في اليمن – قد نظمت على مدى الأسبوعين الفائتين سلسلة فعاليات وندوات واحتفالات بمناطق سيطرتها، للترويج لما يسمى «يوم الولاية»، أو «عيد الغدير» الذي تزعم فيه أن الرسول الكريم أوصى فيه بالحكم لسلالة زعيمها عبد الملك الحوثي.
وعمدت الميليشيات كعادتها كل مرة وفق ما أفادت به مصادر مطلعة في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إلى التحشيد في كافة المدن الواقعة ضمن نطاق سيطرتها، وإجبار السكان على المشاركة في فعالية «يوم الغدير»، التي أنفقت على إقامتها ما يزيد على 350 مليون ريال على (الدولار يساوي 600).
وطبقاً للمصادر، فقد جابت عربات حوثية قبيل موعد الاحتفال بالمناسبة أزقة المدن والقرى في ريف صنعاء بحثاً عن أفراد لنقلهم لحضور الفعاليات، في حين أجبرت الجماعة بقوة السلاح وأساليب تهديد أخرى السكان والموظفين الحكوميين في العاصمة صنعاء ومدن أخرى على الحضور والمشاركة.