تتدفَّق أموال المساعدات بصورة دورية إلى حماس في قطاع غزة، بما في ذلك من ألمانيا. وبالتالي تمتلك المنظمة الإرهابية شبكة واسعة من الشركات في الخارج تبلغ قيمتها عدة مئات من ملايين الدولارات. هذا ما تظهره وثائق حماس، التي حصلت عليها صحيفة "دي فيلت" الألمانية بشكل حصري.
وقد كانت قطر وإيران وتركيا من المانحين السخيين لحماس في الماضي، بيد أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر والولايات المتحدة والصين وألمانيا وبريطانيا العظمى تعهَّدوا أيضاً هذا العام بتقديم مساعدات إنسانية لإعادة الإعمار، لكن ما لا تعرفه هذه البلدان والمؤسسات على ما يبدو، هو أن "حماس منظمة غنية تملك أصولاً كبيرة في الخارج".
ووفقاً للوثائق التي حصلت عليها صحيفة "دي فيلت" الألمانية حصرياً من الدوائر الأمنية الغربية، كانت حماس تمتلك محفظة استثمارية دولية سرية في بداية عام 2018، وأصولا قدرتها حماس نفسها بحوالي 338 مليونا، لكن قيمتها الحقيقية تتجاوز أكثر من نصف مليار دولار.
وتشمل المحفظة حوالي 40 شركة تُسيطر عليها حماس دولياً، وهي تنشط بشكلٍ رئيسي في قطاع البناء. وتقع هذه الشركات في عدة دول.
ولم يرد المتحدث باسم حماس حازم قاسم على تساؤلات صحيفة "دي فيلت" للتعليق على الحقيبة السرية. ولا يعرف ذلك سوى المنتمين الرسميين لحماس، إلى جانب مسؤولي حماس الذين يديرون الاستثمارات، وذلك وفقاً لدوائر الأمن الغربية.
ويقال إن الوثائق المتعلقة بالاستثمارات عُثر عليها على حاسوب تابع لحماس. وتحتوي على تفاصيل الميزانيات العمومية من عام 2008 إلى أوائل عام 2018، والتي استخدمتها حماس على ما يبدو للرقابة المالية الداخلية. وتتوفَّر أحدث البيانات التي تم العثور عليها للفترة من مايو 2017 إلى يناير 2018 حصرياً لصحيفة دي فيلت الألمانية.
وهذا يوضح القيمة الدفترية المقدَّرة للمحفظة بأكملها في ذلك الوقت وأيضاً بشكل مشفّر، حيث تدفقت عوائد الاستثمارات بإجمالي 49 مليون دولار إلى حركة حماس بهدف استخدامها لأغراض عسكرية.
وقد عمل جوناثان شانزر سابقاً كمحلل للتدفقات المالية للمنظمات الإرهابية في وزارة الخزانة الأميركية، وهو الآن خبير في هذا الموضوع في مؤسسة واشنطن للدفاع عن الديمقراطيات. ولا يستطيع شانزر أن يتطرَّق إلى صحة الوثائق التي أُتيحت لصحيفة "دي فيلت".
إلا أن شانزر يقول: "لكن الشائعات تنتشر منذ سنوات حول محفظة كبيرة للشركات والممتلكات التابعة لحماس".
ويضيف: "هذا منطقي أيضاً بسبب التذبذب الذي حدث مع الداعمين مثل إيران وقطر وغيرهما. أما الشركات التي تُحقِّق دخلاً مستمراً، فإنها ستكون مفيدة للغاية لجماعة إرهابية ما دامت قادرة على العمل علناً ولا تُعتبر غير شرعية".
إمبراطورية الشركات بُنيت لَبِنَة لَبِنَة
كما أن ماثيو ليفيت، الذي أدار مكافحة الإرهاب والاستخبارات في منصب رفيع المستوى في وزارة الخزانة الأميركية ويرأس الآن برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، لا يُريد إجراء تقييم على صحة الوثائق، لكنه يعتبر محتواها معقولاً.
وقال ليفيت لصحيفة "دي فيلت": "ليس سراً أن حماس استثمرت في شركات أجنبية في جميع أنحاء المنطقة لدعم نشاطاتها".
وفي الواقع، ووفقاً لمعلومات من صحيفة "دي فيلت" نقلاً عن الدوائر الأمنية الغربية، فقد بَنَت "حماس" إمبراطوريتها الدولية للشركات لَبِنَة لَبِنَة على مدى السنوات العشرين الماضية، لا سيَّما تحسباً لأي طارئ.
وفي السنوات الثلاث الماضية تحديدا، نقلت حماس أعمالها بشكل متزايد إلى تركيا.
ويبدو أن معظم شركات تكتُّل حماس مرتبطة الآن بشركة Trend Gyo التركية التي لم ترد على استفسار أرسلته صحيفة "دي فيلت" الألمانية.
ولا تعتقد الدوائر الأمنية الغربية التي حلَّلَت المواد أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على علمٍ بالأنشطة الاقتصادية السرية لحماس في البلاد، على الرغم من أن علاقة أردوغان بالمنظمة الإرهابية الفلسطينية أصبحت أوثق بكثير في السنوات الأخيرة.
ومن ناحية أخرى، لدى شانزر رأي اَخر. فالخبير في مجال الإرهاب يقول: "إن أردوغان يُشارك بعمق في نشاطات حماس في تركيا ويجتمع بصورة دورية مع قادة حماس المتمركزين هناك". ويُضيف: "لقد حصلت على ذلك من مصادر موثوقة تُؤكِّد أنه على علمٍ تام بجميع أنشطتها – بما في ذلك تلك التي تكون خارج النطاق السياسي".
ووفقاً لمصادر أمنية، فإن الشركات تُظهر وجهاً طبيعياً للعالم الخارجي، ولكن في الواقع يُسيطر عليها إما أعضاء حماس الذين تكون صلتهم بالمنظمة الإرهابية سرية، أو رجال أعمال محليون يتم استخدامهم كواجهة وغالباً ما تكون لهم علاقات جيدة مع الحكومات المعنية.
ويُقال الآن إن رئيس المحفظة الاستثمارية هو أسامة عبدالكريم، الذي يعيش في لبنان، ويسافر كثيراً إلى تركيا ويعمل وراء الكواليس. وأكثر من ذلك بكثير هو نائبه هشام يونس قفيشة، وهو عضو في مجلس إدارة العديد من الشركات التي تُسيطر عليها حماس، بما في ذلك تريند جيو Trend Gyo، ويملك أسهماً في كل من Trend Gyo والعديد من الشركات الأخرى في المحفظة.
بالإضافة إلى ذلك، يشغل منصب مدير شركة حماس في العاصمة السودانية الخرطوم، المُتخصصة في بناء الطرق والجسور. كما أن لجهات فاعلة أخرى في حماس وظائف متعددة داخل تكتُّل الشركات.
لقد حيَّر أحد أقسام ميزانية حماس الخبراء في البداية. وهو يحمل عنوان "الاقتصاد" ويبلغ إجمالي عائداته 49 مليون دولار. وهو مقسَّم إلى فئاتٍ فرعية يظهر فيها مصطلح "الاقتصاد" مرة أخرى مع مجموعات مختلفة من الأحرف العربية، وعلى ما يبدو كان ذلك رمزاً.
وتمكَّن الخبراء من فك رموز ما كان يُقصد بذلك على أساس قيود الميزانية العمومية من عام 2012. هناك، بدت الشروط غير مشفَّرة، وأصبح من الواضح أنها تُشير إلى التقسيمات الفرعية الإقليمية لحماس، حيث يتلقَّى كل منها مبالغ مالية من المحفظة.
ملايين الدولارات تمول الهجمات الإرهابية
ومع وجود 29 مليونا، يتدفَّق أعلى مبلغ من عوائد المحفظة الاستثمارية إلى غزة نفسها، وتسعة ملايين إلى الأنشطة الخارجية لحماس، على سبيل المثال في لبنان، وخمسة ملايين إلى مكتب القدس، وخُصِّص ما لا يقل عن أربعة ملايين للعرب في إسرائيل، وذلك أساساً لتمويل الهجمات الإرهابية داخل إسرائيل ضد اليهود، فضلاً عن دفع رواتب مسؤولي حماس. ووفقاً للمعلومات الواردة من الدوائر الأمنية، فإن 30 إلى 40% من الأموال تُستخدم لتنفيذ عمليات عسكرية وإرهابية.
ومن أجل تحويل الأموال إلى حماس في قطاع غزة وإخفاء المبالغ عن السلطات الضريبية في البلدان المعنية، تستخدم حماس نفس أدوات الجريمة المنظمة أيضاً، على سبيل المثال، يتم تحويل الأموال بمساعدة الصرافين بدلاً من النظام المصرفي، حيث يُمكن تتبع التحويلات.
فالإيرادات المتأتية من مدفوعات الإيجار، على سبيل المثال، يتم تلقيها نقداً، ومبيعات الشقق تتم في الخارج لكي تختفي من الميزانيات العمومية.
ويتم تحويل الأرباح إلى الشركة الأم للتهرُّب من الضرائب. ويُستخدم الأفراد كمساهمين ائتمانيين لإخفاء سيطرة حماس.
ويُشكِّل أسلوب التستُّر الذي تتبعه حماس أيضاً تهديداً للاقتصاد الحقيقي والعملاء والشركاء التجاريين والمساهمين ومقدمي الخدمات مثل البنوك. وقد يُشتبه في أن لهم علاقة بتمويل الإرهاب غير القانوني إذا كانت هناك صلات بين الشركات التي تظهر في الحقيبة بحماس، مما يحُث الجهات الحكومية على التحرُّك.
ويقول الخبير في مجال الإرهاب شانزر:" أتوقع أن تتخذ الدول التي توجد فيها مقرات لنشاطات حماس المالية إجراءات لتفكيكها، وذلك خوفاً من عقوبات الدول الغربية، فضلاً عن زيادة المخاطر المرتبطة بالأنشطة المالية غير القانونية داخل حدودها".
ومن المحتمل أيضاً أن يطرق المانحون الرئيسيون لحماس باب غزة قريباً ويطلبون من مسؤولي حماس تصفية أصولهم الخاصة المُجمَّدة في الخارج قبل أن يتوسلوا إلى الآخرين من أجل المال.