تحولت محافظات الشمال اليمني، مثل صعدة وحجة وعمران، إلى مخزن كبير لتصدير المقاتلين للميليشيات الحوثية، لأسباب لها علاقة بإهمال السلطات اليمنية المتعاقبة هاتين المحافظتين في الجوانب التعليمية، وتركهما لنفوذ قادة الفكر الطائفي في العملية التعليمية، مع غياب المشاريع الخدمية والثقافية التي كانت قادرة على تشكيل وعي وطني رافض لنهج الاستعلاء السلالي منذ ما بعد قيام النظام الجمهوري في شمال البلاد.
كما أن اتساع رقعة الفقر الشديد عقب الانقلاب على الشرعية مكن الميليشيات من استغلال حاجة السكان للحصول على رواتب شهرية؛ حيث نجحت في تجنيد الآلاف للقتال في صفوفها.
ويجمع مسؤولون يمنيون سابقون على أن بقاء محافظة صعدة منطقة مغلقة على الفكر الطائفي منذ ما بعد قيام النظام الجمهوري واعتماد السلطة المركزية على زعماء القبائل فيها لضمان بسط سلطتها مكن زعماء الفكر الطائفي من العمل في مجال التعليم؛ خصوصاً في خارج عاصمة المحافظة.
وتحولت تلك المناطق – وفق المسؤولين – إلى حوزات خاصة بعد قيام الثورة الإيرانية وزيارة بدر الدين الحوثي إلى مدينة قم في عام 1985، وما تبع ذلك من إرساله مجاميع من الشباب إلى هناك، ومن ثم إلى جنوب لبنان، حيث جرى إعدادهم وتهيئتهم فكرياً، ثم بعد ذلك تأطيرهم سياسياً، وتدريبهم عسكرياً.
ووفق أحد السياسيين في صنعاء تحدث إلى «الشرق الأوسط»؛ فإن أحد قادة «حزب الحق» الذي تشكل عقب الوحدة وحظي بدعم من قوى اليسار لمواجهة تحالف الرئيس السابق علي عبد الله صالح و«حزب التجمع اليمني للإصلاح» ذي التوجهات السنية، أقر له بشكل شخصي عقب حرب صيف 1994 بنشوء علاقة حزبية بين هذا الحزب و«حزب الله» اللبناني، وأن هذا الموقف كشف عنه بعد نحو عامين الأمين العام المساعد السابق لـ«حزب الحق» محمد المقالح في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، وبسبب ما ورد في تلك المقابلة أُقيل من رئاسة تحرير صحيفة «الأمة» الناطقة بلسان الحزب، وفُصل من الحزب بشكل كامل.
ويقول مسؤول أمني سابق إن هذا النشاط امتد إلى محافظة حجة (شمالي غرب)، خصوصاً في المناطق التي تنتمي سلالياً لعائلة الحوثي نفسها، حيث كان هؤلاء يتحينون الفرصة كي يعودوا إلى الحكم كي يحصلوا على الامتيازات السياسية والاجتماعية والمالية، حيث كانوا يرسلون أبناءهم للدراسة في تلك الحوزات في المناطق الريفية لمحافظة صعدة وبالذات في مديرية حيدان وضحيان، خلال أشهر العطلة الصيفية؛ إذ كان يشكل ذلك مناخاً ملائماً للأسر التي تتطلع لعودة حكم الإمامة، وقد بلغ أعداد هؤلاء في عام 1998 نحو 15 ألف طالب.
ومع اندلاع الحرب التي سببها انقلاب ميليشيات الحوثي؛ فإن اتساع رقعة الفقر والبطالة بشكل كبير في هاتين المحافظتين شكل أيضاً بيئة ملائمة للميليشيات؛ إذ استغلت حاجة الناس لتوفير لقمة عيش وأطلقت مشرفيها لتجنيدهم مقابل رواتب شهرية تصل إلى مائة دولار إلى جانب التغذية يومياً ونبتة «القات» المخدرة.
كما منحت الميليشيات العائلات التي ترسل أبناءها للقتال امتيازات في الحصول على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة مكتملة وقبل بقية السكان، إضافة إلى المساعدات الموسمية التي يوزعها زعيم الميليشيات باسمه.
وبين أحدث تقرير للأمم المتحدة أن مئات الآلاف من سكان محافظتي صعدة وحجة يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويواجهون مستويات طارئة منه، حيث يحتاج أكثر من مليوني شخص من سكان حجة إلى مساعدات إنسانية؛ بما في ذلك 649 ألف شخص يواجهون مستويات الطوارئ من انعدام الأمن الغذائي، و150 ألفاً و500 شخص يعانون من مستويات سوء التغذية الحادة والمجاعة.
ويشير التقرير إلى أن هناك نحو 700 ألف شخص في محافظة صعدة في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، حيث يواجه نحو 670 ألف شخص في المحافظة انعدام الأمن الغذائي، فيما يواجه أكثر من 237 ألفاً و500 شخص مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي.
أما في محافظة عمران الواقعة شمال صنعاء، والتي كانت تصنف منطقة جمهورية معارضة لنظام الإمامة، فإن الصراع بين الزعامات القبلية وتصفية الحسابات السياسية مكن ميليشيات الحوثي من السيطرة عليها، وتحويلها أيضاً إلى مخازن لتصدير المقاتلين.
وأدت سياسة التجويع والجبايات المتعددة التي تفرضها الميليشيات على السكان إلى جعل غالبيتهم يعيشون على المساعدات وظهور بؤر للمجاعة؛ إذ يشير تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى أن هناك نحو 894 ألفاً و194 شخصاً في هذه المحافظة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، «مما يشير إلى الاحتياجات القصوى. ويتسم ذلك بانهيار مستويات المعيشة وانتشار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وارتفاع معدل الوفيات». وهو ما جعل المنظمة الأممية تطالب بالتوسع العاجل في الاستجابة للمناطق في مديريتي المدان وحوث، وهما المديريتان الأكثر ولاء لميليشيات الحوثي حيث يوجد فيهما نحو 76 ألفاً و500 شخص يواجهون وضعا كارثياً.