أدى ظهور متحور دلتا Delta Variant لفيروس «كورونا المستجد» إلى الكثير من النقاشات الطبية التي لم تنته حتى الآن حول مدى خطورته في إصابة الأطفال الصغار، وهل يكون الأطفال أوفر حظا من البالغين في عدم حدوث مضاعفات خطيرة أو حدوث وفيات كما حدث مع الفيروس الأصلي «كوفيد COVID – 19)».
والحقيقة أن الحكم على تأثير «متحور دلتا» الآن ربما يكون غير دقيق تماما. ولكن المثير للقلق هو تزايد عدد الحالات بالنسبة لإصابات الأطفال في الولايات المتحدة. ورغم أن الحالات تتدرج في الحدة من عدم وجود أعراض مطلقا إلى حالات تستلزم الحجز بالمستشفيات، إلا أن وتيرة الإصابات أسرع من «كورونا المستجد» في العام السابق، وما يزيد المخاوف هو إصابة أطفال ما دون الثانية عشر عاما بالمرض. وتجدر الإشارة إلى أن الحد الأدنى لتناول اللقاح هو 12 عاما.
من المعروف أنه رغم ظهور متحور دلتا في الهند في نهاية العام الماضي وتفشي الحالات بشكل وبائي في الشتاء إلا أن انتشاره السريع وقدرته على العدوى بشكل أكبر، أدت إلى وجوده في معظم دول العالم وبعض دول الشرق الأوسط وفي الولايات المتحدة. وفي شهر يوليو (تموز) الماضي كانت حوالي 80 في المائة من الإصابات الجديدة ناجمة عن متحور دلتا، وفقا لتقديرات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC. وفي بعض الأحيان كانت هناك إصابات لأشخاص حاصلين على جرعات اللقاح كاملة، ولكن بشكل أقل حدة من الذين لم يحصلوا على التطعيم. ونصح خبراء المراكز بارتداء الكمامة حتى للأشخاص الملقحين لتفادي تفشي الوباء. وتبعا للتقارير الصادرة من الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) تم رصد أكثر من 71 ألف حالة في الأسبوع الأخير من شهر يوليو أي من 22 إلى 29 منه، كانت أعمارهم جميعا تقل عن 18 عاما. وعلى وجه التقريب يمثل الأطفال والمراهقون حوالي واحدا من كل خمس حالات جديدة في ذلك الأسبوع.
وأوضح التقرير أن الأطباء والممرضات في مستشفى جونز هوبكنز في سانت بطرسبرغ بولاية فلوريدا، وهي من الولايات التي تأثرت بشدة من متحور دلتا، كانوا مشغولين للغاية في رعاية مرضى الأطفال الذين تم تشخيص إصابتهم في الأسابيع القليلة الماضية وكانت أعداد المرضى من أعلى الزيادات في حالات «كورونا» منذ بداية الوباء وحتى الآن، ولكن اختلفت التقارير حول شدة الإصابات بمتحور دلتا.
حتى الآن لا تزال نسب حجز الأطفال في المستشفيات جراء الإصابة هي نفس النسب السابقة بالإصابات بالفيروس الأصلي وتتراوح بين 0.1 إلى 1.9 في المائة، وذلك رغم زيادة معدل الإصابات عن العام الماضي وهو أمر جيد بالطبع. وعلى الجانب الآخر أكد بعض الأطباء خصوصا المتعاملين بشكل مباشر مع حالات الأطفال أنهم شخصوا العديد من الحالات التي تعتبر أشد وطأة من «كورونا». لكن الأرقام ليست بالقدر الكافي حتى الآن لإثبات هذه الفرضية، وأرجعوا السبب في ذلك لاكتشاف حالات عديدة بالصدفة أثناء فحص روتيني للطفل لغرض طبي آخر مثل كسر في الساق أو الذراع ويتم طلب المسحة لمجرد الوقاية من العدوى وحينها يتم اكتشاف الإصابة.
وأضاف الأطباء أنه خلال النصف الأخير من شهر يوليو تم حجز العديد من الذين يعانون من أعراض تنفسية وضيق في التنفس، وكانت أعمارهم تتراوح بين 10 و13 عاماً بشكل أساسي. واحتاج البعض منهم تركيب أنبوبة حنجرية intubatedللمساعدة في التنفس جراء الالتهاب الرئوي الشديد الناتج من الفيروس بجانب إجراءات أخرى للحماية من الفشل التنفسي واللجوء إلى التنفس الصناعي في بعض الأحيان، وهو ما يشير إلى خطورة وشدة المتحور الجديد.
وحذر الأطباء من زيادة الحالات مع قدوم الخريف وفتح المدارس واختلاط الطلاب خاصة الأقل من 12 عاما الذين لم يحصلوا على اللقاح مما يؤدي إلى زيادة الحالات في المجتمع بشكل عام، خاصة أنه في العام الماضي هناك بعض الأطفال الذين عانوا من متلازمة التهاب متعدد الأجهزة في الجسم multisystem inflammatory syndrome كمضاعفات لـ«كوفيد – 19» رغم أن إصابتهم الأولية كانت طفيفة ولكن الأمر تطور بشكل مفاجئ. وفي هذه المتلازمة يؤدي الالتهاب المفرط النشاط إلى إتلاف القلب والرئتين والكلى والمخ وبعض الأعضاء الأخرى، ولذلك فإن خطورة الانتشار (حتى لو كانت الحالات بسيطة) ربما يؤدي إلى عواقب سيئة لاحقا.
وأوضح الأطباء أن هناك نسبة تتراوح من الثلث إلى النصف من هؤلاء المصابين بالالتهاب المتعدد في الأغلب يحتاجون إلى الحجز في العناية المركزة وبشكل خاص الذين تحدث لهم مضاعفات في القلب. ونظراً لأن هذه المضاعفات تحدث بعد فترة فإنهم يتوقعون حدوثها بعد حوالي شهرين من الآن ويجب التعامل مع أي أعراض لنزلة البرد بمنتهى الجدية والاهتمام وتناول بروتوكول العلاج المعروف للأطفال لأن المتحور الجديد له نفس الأعراض.
وفي النهاية يجب على الآباء توخي الحذر والتنبيه على الأطفال بضرورة ارتداء الكمامة مهما كان عمر الطفل حتى في مرحلة الحضانة ما دام كان أكبر من عامين (وحتى البالغين الذين تلقوا اللقاح)، وكذلك غسل الأيدي باستمرار والتباعد الاجتماعي وتشجيع الأطفال فوق عمر 12 عاما على تناول اللقاح، حيث إن 97 في المائة من المحتجزين في المستشفيات لم يتلقوا اللقاح. ونصح التقرير بضرورة عدم الاعتماد على فكرة أن الأطفال في مأمن من الإصابات الخطيرة حتى يتم التوصل إلى لقاح للأطفال أقل من 12 عاما.
* استشاري طب الأطفال