من شقة صغيرة في ألمانيا، استطاع الشاب اليمني البروفيسور هاشم الغيلي أن يدير سلطة رقمية عظمى تصدر فيديوهات إنفوغرافيك عابرة للحدود والعقول، وبات نجماً عالمياً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحطم الغيلي (32 عاماً) مؤشر الانتشار بـ15 مليار مشاهدة، متجاوزاً معايير التأثير التقليدي بأرقام أذهلت رواد العالم الرقمي. وحقق عبر صفحته في فيسبوك شغف 30 مليون متابع.
أكثر من مليار شخص
هاشم الغيلي، المنحدر من ريف محافظة حجة شمال اليمن، يشاهده أكثر من مليار شخص ويتواصل معه علماء الجيولوجيا من أنحاء العالم. إلا أن 90% من اليمنيين لا يزالون لا يعرفون البروفيسور الشاب الذي ترك بلاده عام 2007 ليهاجر في دروب العلم.
ويشكل الغيلي نموذجاً للإلهام، وله قصة تحد وإصرار. كما يتمتع بشخصية فذة أصبحت حديث قنوات ووكالات التلفزة العالمية. وتبرز في جميع لقاءاته على يوتيوب ثقة عالية بالنفس، وفي جوهر عقليته كاريزما عبقرية تنم عن وعي فطري منفتح.
إلى ذلك يصفه علماء الغرب بأنه سفير الوجع اليمني إلى الإنسانية، وحامل لواء الإبداع العلمي من أجل أن يعيش جميع سكان الكوكب بسلام.
انطلاق رحلته
وبدأت رحلة الغيلي عندما قرر وهو في الثامنة عشرة من عمره الذهاب إلى صنعاء سراً دون علم والده، وقام بتعبئة استمارة طلب للحصول على منحة دراسية من وزارة التربية والتعليم. وقال لـ"العربية.نت": "لو أبلغت والدي حينها لما كان ليوافق، ولما حققت شيئاً مما وصلت إليه اليوم".
كما أضاف أنه تلقى منحة من وزارة التعليم العالي عام 2007 لدراسة التكنولوجيا الحيوية في جامعة بشاور في باكستان، التي تبرع لها بـ50 ألف دولار لدعم البحث العلمي. وأكدت الجامعة أن هذا أكبر تبرع تستلمه في تاريخها. أما الغيلي فاعتبر ما فعله تعبيرا عن رد الجميل، مضيفاً: "نحن من عائلة لا تنسى المعروف".
نائب رئيس تحرير مجلة
عام 2012، عاد الغيلي إلى اليمن ليعمل في مختبر حكومي بضعة أشهر. وبعدها انتقل للدراسة في إحدى الجامعات الألمانية بعد أن كانت قد رفضته 100 جامعة هناك. وحصل على شهادة الماجستير من جامعة جاكوبس بألمانيا بمنحة من هيئة التبادل الأكاديمي الألمانية DAAD.
وبعد تخرجه في سن الـ25، أصبح نائب رئيس تحرير النسخة العربية من مجلة مرصد المستقبل، التي تغطي الابتكارات في العلوم والتكنولوجيا.
عالم صناعة الأفلام
ثم أدار الغيلي بوصلته العلمية نحو عالم صناعة الأفلام، ودخل الخيال العلمي بفيلمه الأول "محاكاة" simulation، من تأليفه وإخراجه. كما شارك في التمثيل بالعمل الذي تم تصويره في استديوهات بوفا ببرلين بيوم واحد فقط، وتم عرضه في العاصمة الألمانية.
وترتكز فكرة الفيلم بحسب الغيلي على نظريات علمية تشير إلى أن كل ما في الكون هو عبارة عن محاكاة، وأن هناك كونا أصليا مسيطرا يدير ويبرمج الكون الثانوي الذي نعيش فيه، ويخضع كل ما فيه من بشر ونجوم وكويكبات لإشاراته وإشعاراته.
وفي 23 دقيقة تحبس الأنفاس تشويقاً، يروي الفيلم قصة كائنات فضائية تتمتع بقدرات ذكاء خارقة، تضع البشر في هذه المحاكاة وتستخدمهم إلى جانب الكائنات الأخرى لاستخراج الطاقة منهم وإحياء الموتى الذي يعيشون عندهم.
بحث علمي لعلاج السرطان
من جانب آخر، نجح الغيلي عبر فيديوهاته في تغيير حياة الملايين ليصبح أول عربي ناشر علم الأحياء عبر فيسبوك. فقد قدم بحثاً علمياً لعلاج السرطان بالجينات الوراثية، وبحثا آخر عن نظرية تغيير مناخ المريخ بالهيدروجين.
كما نشر فيديوهات تتضمن معلومات علمية مبسطة بلغة بصرية وبمحتوى إنفوغرافيك موثق باكتشافات حديثة في الطب والعلوم والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
وقال الغيلي إن إحدى هواياته منذ صغره كانت نشر المواد المعرفية على مجلات الأطفال، موضحاً: "آنذاك كنت أشعر بالسعادة الغامرة عندما أرى مشاركاتي نشرت في مجلات الأطفال. وبعد أن حصلت على أول كمبيوتر وتعرفت على شبكات التواصل الاجتماعي، وجدت أنها بيئة خصبة وسهلة لنشر المعرفة لعدد أكبر من المتابعين. وكانت هذه بداية المشروع".
إلى ذلك تتصدر فيديوهاته عناوين لافتة باللغة الإنجليزية. ومن ضمن منشوراته الأخيرة، "العلماء يخترعون طريقة جديدة لتحويل الشمس إلى وقود"، و"300 مليون كوكب صالحة للسكن في مجرتنا درب التبانة"، و"خوذة مغناطيسية تقلص بنجاح سرطان الدماغ"، وغيرها.
شابة يمنية تتابعه منذ الإعدادية
من جهتها كتبت متابعة يمنية للغيلي على مواقع التواصل الاجتماعي أنه لو أتيحت الفرص لشباب اليمن "لأتحفونا ورفعوا رأسنا"، معتبرة أن الغيلي هو أحد الأشخاص الذين تقتدي بهم في الحياة.
كما أضافت: "أتابع هاشم منذ كنت في الإعدادي، وكنت حينها أتقن الإنجليزية بدرجة مقبولة"، لافتة إلى أنه "في وقت لم يكن إلا 1% من اليمنيين يعرفون هاشم، بلغت شهرته بلدان الغرب الذين احتفوا بإبداعه العلمي ليصل إلى أبعد نطاق".
شغف منذ الصغر
إلى ذلك أكد الغيلي لـ"العربية نت" أن السبب الرئيسي الأول الذي دفعه إلى إطلاق صفحته العلمية على فيسبوك هو حبه وشغفه للعلوم منذ الصغر.
وأضاف: "هناك أسباب أخرى أيضاً مثل قلة المصادر الموثوقة للأخبار العلمية بالإضافة إلى الطريقة الحالية لنشر العلوم والتي تجعل من الصعب لغالبية المتابعين فهمها. فمن خلال هذا المشروع استطعت أن أقوم بتبسيط المعلومات العلمية الصعبة وعرضها بأسلوب يتناسب مع جميع الأعمار، بغض النظر عن الخلفية العلمية للمتابعين".
عالم مظلم
كما يؤمن الغيلي أن العلم هو السبيل الوحيد للتقدم نحو الأمام، معتبراً أنه "بدون علم أو معرفة سيكون عالمنا مظلماً ومليئاً بالمشكلات التي تنتج بسبب الجهل وينبغي محاربته بكل وسيلة متاحة لنا".
وقال إن صفحته على فيسبوك غيرت حياة الكثيرين، لافتاً إلى أن فيديوهاته كانت بمثابة مصدر إلهام للكثيرين في معرفة التخصص المناسب لهم. وأضاف: "بعضهم كانت لديهم أسئلة كثيرة حصلوا على إجاباتها من خلال المواد المرئية والمعلومات التي أقوم بنشرها على شبكات التواصل الاجتماعي".
إلى ذلك كشف أن "أقوى موقف دفعني لإطلاق المشروع هو عندما كنت في مناقشة علمية مع مجموعة من الأشخاص ولاحظت أنهم يفتقرون إلى المعلومات والأدلة العلمية البسيطة التي يجب على كل شخص معرفتها. بعدها قمت بإطلاق المشروع مع مراعاة أن تكون المواد المنشورة مدعومة بالأدلة العلمية ومعروضة بطريقة شيقة للجميع".
رسالة إلى الشباب اليمنيين
إلى ذلك وجه رسالة لمتابعيه من اليمنيين عبر فيسبوك، حيث قال: "أود من الشباب المتابعين من اليمن أن يعلموا أنه رغم الصعوبات وشحة الموارد، يمكن لأي شخص أن ينفع مجتمعه. تعددت الأساليب والمنفعة واحدة. كل ما احتجت إليه هو جهاز حاسوب واحد بالإضافة إلى العزيمة والإصرار على تحقيق الإفادة".
وتابع: "لدينا في اليمن شباب لديهم طاقات هائلة وجبارة ورغبة كبيرة في خدمة المجتمع والعالم، أقول لهم جميعاً إن ذلك ممكن ما دامت العزيمة موجودة".
كما اعتبر أن منصات التواصل الاجتماعي لها "تأثير السحر" على الشباب. وقال: "مؤخراً لاحظنا أن هناك صفحات كثيرة على شبكات التواصل لديها شغف بالعلوم وتنشرها للشباب في العالم العربي، وهي خطوة رائعة جداً!"، لافتاً: "أعتقد أن تأثير مثل هذه الصفحات سيكون فعالاً جداً في تحفيز الشباب العربي على الاهتمام بالعلوم والمعرفة وعدم التوقف عن طرح الأسئلة المهمة التي يمكن أن تغير مجرى حياتهم".
رحلة مليارات المشاهدات
أما عن رحلة مليارات المشاهدات، لا ينكر الغيلي وجود تحديات وصعوبات كان معظمها تتعلق بالتغييرات المفاجئة والمستمرة والتي تطرأ على شبكات التواصل مثل فيسبوك.
وأوضح أن مثل هذه التغييرات تؤثر على عدد المتابعين الذين يمكن الوصول إليهم بالمعلومات الشيقة، مشدداً على أن "التحدي الأبرز هو رفاهية الوقت. فأنا أقوم بهذه المشاريع إلى جانب وظيفتي الأساسية، وغالباً لا أجد الوقت الكافي لتجهيز ونشر مواد علمية جديدة نظراً لضيق الوقت".
كما قال إن الكثير من المتابعين يعتقدون أنني أحصل على المال نظراً لجهودي في النشر، لكن هذا ليس صحيحاً. لدي وظيفة تساعدني على دفع تكاليف حياتي اليومية، وكل ما أقوم به على شبكات التواصل هو نتيجة جهد إضافي، لا يدر علي أي دخل مادي، خاصة في صفحة فيسبوك"، موكداً أن "ما يهمني في النهاية هو نشر العلم والمعرفة مجاناً لجميع الأعمار وللمتابعين من مختلف أنحاء العالم".